تيم ليستر وتمارا قبلاوي - سي إن إن-
في ضواحي الرياض، سرعان ما تحول موقع بناء مغمور إلى مركز جهود المملكة العربية السعودية للحصول على الطاقة النووية، وهو ما أثار قلق الكونغرس الأمريكي وغضب طهران.
وتظهر صور الأقمار الصناعية الجديدة أن بناء مفاعل تجريبي يحقق تقدما "سريعا"، بعد 3 أشهر فقط من إعلان المملكة عن خطط بنائه، وفقا للمدير السابق للمفتشين النوويين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، "روبرت كيلي".
وقد قدر "كيلي" أن المفاعل قد يكتمل خلال فترة "من 9 أشهر إلى عام".
وكانت المملكة منفتحة بشأن برنامجها النووي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أرسلت فريقا إلى السعودية في يوليو/تموز الماضي للتحقق من خطط البناء، وتعهدت المملكة مرارا وتكرارا أن البرنامج للأغراض السلمية فقط.
بيد أن ولي العهد "محمد بن سلمان" كان قد قال العام الماضي إنه "بدون شك، إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أقرب وقت ممكن".
ومما يثير القلق أيضا بين خبراء الصناعة والبعض في الكونغرس إصرار السعودية على السماح لها بإنتاج الوقود النووي الخاص بها، بدلا من استيراده بتكلفة أقل.
وفي مقابلة تم إجراؤها معه العام الماضي، قال وزير الطاقة السعودي "خالد الفالح": "ليس من المقبول بالنسبة لنا إحضار يورانيوم مخصب من دولة أجنبية لتزويد مفاعلاتنا بالوقود"، مشيرا إلى احتياطيات البلاد من اليورانيوم.
رؤية 2030
وكانت السعودية قد أعلنت عن طموحاتها النووية منذ 9 أعوام، لكن تلك الخطط اكتسبت زخما كبيرا كجزء من "رؤية 2030" التي أعلنها ولي العهد عام 2015، وهي استراتيجية تهدف لفطام السعودية عن اعتمادها على النفط، وتنويع الاقتصاد.
وتستهلك المملكة بالفعل نحو ربع إنتاجها من النفط محليا، ومن المرجح أن يظل الإنتاج مستقرا تقريبا، مع توقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة 3 أضعاف بحلول عام 2030.
وبالتالي، يشمل مخطط "رؤية 2030" الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى البرنامج النووي، في محاولة لتوفير ثلث احتياجات البلاد من الطاقة من الموارد غير النفطية.
وعلى المدى الطويل، تتصور السعودية الحصول على 17 جيجاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2040، وهو ما يكفي لتوفير 15% من احتياجاتها من الطاقة.
وقد صرح "كيلي"، لشبكة "سي إن إن"، بأن المفاعل التجريبي قيد الإنشاء في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مصمم لتدريب العلماء.
وقال: "المفاعل الحالي ليس له أهمية استراتيجية"، مضيفا أن الأمر سيستغرق 100 عام لمعالجة البلوتونيوم بشكل كاف لصنع سلاح نووي عبر هذا المفاعل.
وفي الخطوة التالية، يريد السعوديون بناء مفاعلين تجاريين، وينتظرون العروض من المقاولين، وهناك 5 شركات متسابقة في هذا التنافس، وفقا للسعوديين، وهي "وستنغهاوس" الأمريكية، بالإضافة إلى شركات من الصين وروسيا وفرنسا وكوريا الجنوبية.
ووقعت المملكة اتفاقيات مع الشركة الوطنية النووية الصينية لاستكشاف احتياطيات اليورانيوم في المملكة.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أرسلت فريقا إلى السعودية، في يوليو/تموز من العام الماضي، لمراجعة تطوير بنيتها التحتية للطاقة النووية.
وخلصت هذه البعثة إلى أن المملكة "في وضع جيد لوضع اللمسات الأخيرة على خططها لبناء أول محطة للطاقة النووية" عبر شراكات مع الدول التي لديها صناعة طاقة نووية جيدة.
وفي زيارة إلى الرياض في يناير/كانون الثاني، أكد "ميخائيل تشوداكوف"، نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن المملكة "أحرزت تقدما ملحوظا في تطوير بنيتها التحتية للطاقة النووية".
ولكن عندما يرغب السعوديون في الانتقال إلى المرحلة التالية، وهي تغذية المفاعل في مدينة الملك عبد العزيز وأي منشآت تجارية مستقبلية، فسيتعين عليهم الخضوع لمزيد من تدخلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال "كيلي": "لقد تم إعفاؤهم لمدة 30 عاما منذ التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، والآن سيتعين عليهم القيام ببعض الأعمال الورقية الجادة والموافقة على عمليات التفتيش، إذا كانوا يريدون الحصول على الوقود النووي".
مخاوف الولايات المتحدة
وتزداد الشكوك في "الكونغرس" الأمريكي حول ما إذا كانت السعودية شريكا موثوقا به منذ مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في إسطنبول العام الماضي.
ولقد تجلى ذلك الآن في التدقيق النقدي للبرنامج النووي السعودي، خاصة إذا كانت إدارة "ترامب" تفعل ما يكفي لضمان عدم الانتشار النووي.
وعندما تم سؤاله عما إذا كان من المقبول أن تصبح السعودية قوة نووية في مقابلة تليفزيونية يوم الجمعة، كان وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" واضحا.
وقال "بومبيو" لشبكة "سي بي إس": "لن نسمح بحدوث ذلك، لن نسمح بحدوث ذلك في أي مكان في العالم، يتفهم الرئيس تهديدات الانتشار، ولن نكتب أبدا شيكا للسعوديين يسمح لهم بتهديد (إسرائيل) والولايات المتحدة بأسلحة نووية، أبدا".
وطالب قرار من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، تم تقديمه في مجلس الشيوخ في فبراير/شباط الماضي، أن يكون استخدام أي تكنولوجيا طاقة نووية أمريكية في المملكة مصحوبا بتدابير لضمان عدم قدرة السعودية على تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود المستهلك.
وقال السيناتور الديمقراطي "جيف ميركلي"، أحد مقدمي مشروع القرار: "آخر شيء يجب على أمريكا فعله هو المساعدة عن غير قصد في تطوير أسلحة نووية لفاعل سيئ على الساحة العالمية".
وقال الديمقراطيون في مجلس النواب، في فبراير/شباط، أن مسؤولي البيت الأبيض قد دفعوا عام 2017 نحو بيع التكنولوجيا النووية إلى المملكة على الرغم من تحذيرات من مسؤولي مجلس الأمن القومي، وقال متحدث باسم الجمهوريين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، إن التقرير يرقى إلى "نظرية مؤامرة سخيفة".
وفي التبادلات الساخنة في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في نهاية مارس/آذار قال وزير الطاقة الأمريكي "ريك بيري" إنه إذا لم تتعاون الولايات المتحدة مع السعوديين، فسوف يتطلعون إلى روسيا أو الصين لتطوير صناعتهم النووية.
وقال "بيري": "يمكنني أن أطمئنكم إلى أن هذين البلدين لا يباليان أبدا بمنع الانتشار النووي، لهذا السبب، نواصل العمل بجد شديد لمحاولة ضم تلك البلدان التي ترغب في تطوير برامج نووية مدنية إلى حظيرة الولايات المتحدة، لأننا ملتزمون بعدم الانتشار".
وأضاف "بيري" أن وزارته وافقت على عدة طلبات لشركات أمريكية لبيع تكنولوجيا الطاقة النووية للسعودية، ومع ذلك، فهي لا تسمح بنقل المواد أو المعدات أو المكونات النووية.
وتزعم إيران أن إدارة "ترامب" تخطط لبيع التكنولوجيا النووية إلى السعودية بدون ضمانات كافية، وقال وزير الخارجية "جواد ظريف"، في فبراير/شباط: "أولا تقطيع صحفي، ثم الآن بيع غير قانوني للتكنولوجيا النووية إلى السعودية، إنه نفاق كامل".
وفي مارس/آذار، اتهم "علي شامخاني"، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، دولا في المنطقة لم يذكر اسمها، بتطوير "مشاريع نووية مشبوهة"، الأمر الذي سيجبر طهران على مراجعة استراتيجيتها الدفاعية.
ومهما كانت استراتيجية الطاقة السعودية، ومهما كانت تعهداتها بعدم الرغبة في تطوير أسلحة نووية، فإن مجرد وجود برنامج نووي في المملكة من المؤكد أن يؤدي إلى تأجيج التوترات في جميع أنحاء الخليج.