متابعات-
تدريجيا، تتخلى المملكة العربية السعودية عن العديد من القيود الاجتماعية الصارمة التي حددت الحياة في المملكة لعقود. لكن الأمور ليست دائما كما تبدو.
وفي وقت يتسم بتدفق غير مسبوق للأحداث والقرارات في المملكة، يؤدي الافتقار للوضوح الرسمي إلى إثارة الفوضى بين السكان، الذين ينقسمون بين أولئك المرحبين بالحريات الاجتماعية الجديدة، وبين المواطنين المحافظين المنزعجين من سرعة التغيير.
وكان أحدث مثال على هذا ما حدث الثلاثاء، عندما قالت الحكومة إنها ستسمح لبعض المتاجر والمطاعم بالعمل على مدار الساعة. ولم ينجح إنكار المسؤولين في وقف التكهنات بأن هذا الإجراء قد يعني التخلي عن الإغلاقات الإلزامية خلال أوقات الصلاة.
أما التغيير الآخر الذي قد يبعثر الأوراق السياسية في المملكة هو إسقاط شرط حصول المرأة على إذن من ولي الأمر الذكر للسفر إلى الخارج. وفي تقرير في جريدة "عكاظ"، جاء أن المسؤولين كانوا يدرسون السماح للسعوديين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما بالرحيل دون هذه الموافقة.
ولم يتم تحديد ما إذا كان هذا التحول سيشمل النساء، لكن الكثيرين فسروه بهذه الطريقة. وقال شخصان على دراية بالأمر إن السياسة قد تتغير بالفعل قريبا، مؤكدا ما جاء في تقارير سابقة في "وول ستريت جورنال" و"فايننشيال تايمز".
قمع النقاد
ويبقى الغموض هو الحالة المسيطرة المملكة في الأعوام القليلة الماضية؛ حيث يراوغ المسؤولون في الإجابة عن التساؤلات، ربما في محاولة لقياس مقدار قبول التغييرات. ولم تكن هناك اضطرابات كثيرة ناتجة، وجاءت ردود الأفعال من الأوساط المحافظة خافتة، ليس احتراما لحكام المملكة فقط، بل أيضا بسبب مناخ الخوف الذي نما مع قيام الحكومة بالقمع السياسي واحتجاز العشرات من النقاد المحليين.
وقالت "إيمان الحسين"، وهي زميلة سعودية زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لا تعد البيانات الغامضة مجرد وسيلة لاختبار الرأي العام، ولكنها أيضا وسيلة لتعويد الناس وتهيئة المجتمع لقبول التغييرات المحتملة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية التي شغلت السعوديين لأعوام".
وامتد إحساس الحيرة إلى وسائل الإعلام المملوكة للدولة في المملكة، التي عادة ما تكون قنوات موثوقة لنشر وتفسير المراسيم الحكومية. وقامت قناة "العربية" الفضائية في البداية بتفسير قرار الثلاثاء، الذي يتحدث عن السماح بعمل بعض الشركات على مدار 24 ساعة، على أنه يعني أن تظل تلك الشركات مفتوحة الآن أثناء الصلوات، ونشرت القناة تغريدة تؤكد ذلك، قبل أن تتراجع عنها لاجقا.
رد فعل متناقض
وفي حين سارع بعض السعوديين للاحتفال بالقرار، مشيدين بالآثار الاقتصادية المنتظرة من ورائه والحرية الشخصية التي يمنحها لهم، تحدث آخرون عن العواقب الدينية والثقافية للقرار.
وإذا حدث التغيير، فسيكون ذلك بمثابة تخفيف كبير جديد للقيود الاجتماعية المستمرة منذ لعقود، وهي عملية بدأت مع وتولي ولي العهد "محمد بن سلمان" السلطة وإعلانه عملية إصلاح شاملة للاقتصاد لتقليل اعتماده على النفط. وفي العامين الماضيين، رفعت الحكومة الحظر المفروض على قيادة المرأة، وسمحت بفتح دور السينما، ومضت في رعاية حفلات مختلطة بين الجنسين، في بلد نادرا ما كان يتم سماع الموسيقى فيه علانية. والآن، يأتي الحديث عن تخفيف قوانين الوصاية الذكورية، أو حتى السماح ببيع الكحول.
ويوم الأربعاء، واصلت الشركات إغلاق أبوابها لمدة 30 دقيقة وقت الصلاة، لكن أبواب النقاش كانت مفتوحة على مصراعيها.
وقال "سعيد الشهراني"، وهو شخصية معروفة في وسائل التواصل الاجتماعي السعودية، في مقطع فيديو تمت مشاهدته على نطاق واسع: "صدر قرار بفتح المتاجر على مدار 24 ساعة في اليوم وأخذ الناس يحذرون ويقولون هذا غير مسموح به، الويل لنا". وعلق قائلا : "ديننا بسيط، وينبغي ألا نعقد الأمور".
أصبح وشيكا
ولطالما كان إغلاق المحال والشركات وقت الصلاة جزءا من إيقاع الحياة في المملكة العربية السعودية، مع إغلاق المقاهي والمطاعم ومحلات البقالة ومراكز التسوق والصيدليات لمدة نصف ساعة أو أكثر في أوقات الصلوات المحددة. وتتناقض هذه الممارسة مع الدول المجاورة ذات الغالبية المسلمة، والتي تغلق الأعمال فيها لصلاة الجمعة فقط، ولكنها تستمر في ممارسة التجارة كالمعتاد في باقي الأيام.
وقدم التوضيح الرسمي الوحيد لقرار الثلاثاء "خالد الدغيثر"، وهو مسؤول في وزارة الشؤون البلدية. وفي مقابلة مع قناة "العربية"، قال إن قرار مجلس الوزراء "لا يمس أي قرار سابق يتعلق بأوقات الصلاة".
ومع ذلك، عندما ضغط عليه مقدم الحوار مرارا وتكرارا لبيان ما إذا كان المتجر الذي سيفتح أثناء الصلوات سينتهك القانون، لم يؤكد "الدغيثر" هذا أو ينفيه.
خلال العام الماضي، خففت العديد من المحلات التجارية والمطاعم في الرياض من نهجها، مع إبقاء أبوابها مفتوحة بهدوء أثناء الصلوات. ويوم الأربعاء، قالت صحيفة "عكاظ" إن السماح بفتح المتاجر خلال الصلوات أصبح "وشيكا".