أويل برايس -
لا تحاول المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك"، إعادة الزخم لعملية الاكتتاب العام في "أرامكو" السعودية فحسب، بل تعيد أيضا تعديل ديناميات الطاقة في مجالي النفط والغاز داخل البلاد.
وفي اليومين الأخيرين، نشرت مصادر ووسائل إعلام تقارير مكثفة حول تأثير تقسيم "وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية" على استراتيجية البلاد النفطية.
وفي الواقع، من غير المرجح أن تتغير استراتيجية المملكة لتصدير وإنتاج النفط على المدى الطويل بشكل جذري؛ حيث تحجم أساسيات السوق أي رغبة للمملكة في إحداث تغيير كبير.
وقد ركزت وسائل الإعلام أيضا على إعادة إحياء الاكتتاب العام في "أرامكو" كسبب لهذا التغيير، مع تقارير تفيد بأن المملكة ستكون جاهزة للمرحلة الأولى من الاكتتاب العام، في وقت لاحق من هذا العام.
بيد أن ما لم يتم تسليط الضوء عليه هو تأثير القرارات الأخيرة على البنية الداخلية لقطاع الطاقة في السعودية، حيث كان"خالد الفالح" يلعب الدور الأكثر محورية في هذا القطاع منذ سنوات.
صراعات الطاقة
وبالنسبة للإعلام الدولي، كان "الفالح" هو الممثل الرئيسي للمملكة في مجال الطاقة، قبل أن يتم تقليص نفوذه مرتين في أسبوع واحد، الأولى حين تم فصل وزارة الثرورة المعدنية عن وزارة الطاقة الي يديرها، والثانية حين تم إزالته من موقعه كرئيس لشركة "أرامكو" لصالح "ياسر الرميان"، رئيس صندوق الثروة السيادية السعودي وأحد المنتمين للدائرة الداخلية لـ"بن سلمان".
وصرح المسؤولون السعوديون أن تعيين "الرميان" كرئيس لمجلس إدارة "أرامكو" يعد خطوة للأمام لدعم عملية الاكتتاب العام، مع فصل وزارة الطاقة بقيادة "خالد الفالح" بوضوح عن شركة "أرامكو".
وتقول الرواية الرسمية للمملكة إن تعيين "الرميان" هو جزء حيوي من الاستعدادات للاكتتاب العام.
وبالطبع، لا يوجد أي ذكر لأية خلافات أو صراعات نفوذ تجري في أعلى مستويات القيادة السعودية.
وليس سرا أن ولي العهد السعودي يعتبر الاكتتاب العام في "أرامكو" حجر الزاوية لحكمه.
وفي الأعوام القليلة الماضية، كان "بن سلمان" يكافح للحصول على دعم القوى السعودية لهذه الخطوة.
ولا تزال القوى المحافظة داخل البلاط الملكي السعودي، وخاصة داخل الديوان الملكي، وهي الهيئة الاستشارية الرئيسية للملك، ووزارة الطاقة، و"أرامكو"، تعارض بوضوح أي عملية اكتتاب متسرعة.
وتتدفق الشائعات بأن "الفالح" وآخرون أخبروا "بن سلمان" أن عليه إعادة النظر في عملية الاكتتاب العام وطريقتها وأهدافها، ولكن ظلت هذه الخلافات إلى حد كبير تحت السيطرة من قبل القيادة السعودية.
وتعد التعديلات الحالية في "أرامكو" ووزارة الطاقة، وغيرها من بيوت السلطة الرئيسية في المملكة مثل صندوق الثروة السيادية السعودي، والديوان الملكي الذي تم تعيين "فهد العيسى رئيسا له"، وحتى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تم تعيين "مازن الكهموس" لقيادتها، علامة واضحة على زيادة قوة "بن سلمان"، وأفول نفوذ معارضيه من التكنوقراط والبيروقراطيين.
ويعد جميع الرؤساء والوزراء المعينين حديثا، بمن في ذلك وزير الصناعة والثروة المعدنية الجديد "بندر الخريف" المدير التنفذي السابق لمجموعة "الخريف"، مؤيدين بشدة لـ "بن سلمان".
وكان "العيسى" جزءا من هيكل سلطة "بن سلمان" في وزارة الدفاع السعودية قبل تعيينه رئيسا للديوان الملكي.
السيطرة الكاملة
ويبدو مرة أخرى أن "بن سلمان" يحشد أنصاره في المواقع المهمة لهيكل الاكتتاب العام في "أرامكو"، ويسرع من وتيرة جهوده للسيطرة الكاملة على المملكة.
ويتم تهميش جميع المعارضين للأهداف التي حددها "بن سلمان".
ومن المؤكد أن الأسبوعين المقبلين سيشهدان المزيد من التحركات التي تدل على أن المملكة تتجه نحو حقبة جديدة.
وتتم حاليا الإطاحة بجميع الهياكل البيروقراطية القديمة، بينما يعمل "بن سلمان" على تعزيز موقفه وتقليل المعارضة المحتملة شيئا فشيئا.
وكانت هذه الاستراتيجية واضحة منذ عام 2017، عندما وضعت حملة لمكافحة الفساد أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال ووسطاء السلطة رفيعي المستوى "خلف القضبان المطلية بالذهب" في فندق "ريتز كارليتون" بالرياض.
وتم تنفيذ هذا التحرك مباشرة بعد مؤتمر "دافوس في الصحراء 2017"، أو ما يسمى بـ "مبادرة الاستثمار في المستقبل 2017".
وكانت واقعة قتل "خاشقجي" قد أضرت بمؤتمر "مبادرة الاستثمار في المستقبل 2018"، لكن "بن سلمان" يواصل محاولاته للسيطرة رغم ذلك.
ويجب رؤية التغييرات الحالية في ضوء اقتراب موعد مؤتمر "مبادرة الاستثمار في المستقبل 2019"، الذي سيركز على المستقبل الجديد للمملكة في ضوء اكتتاب "أرامكو" الذي سيتم نسبة الفضل فيه إلى "بن سلمان".
في ضوء ذلك، يجب أن تركز وسائل الإعلام الآن بشكل كامل على "بن سلمان"، مع تهميش الأبطال الآخرين مثل "خالد الفالح".
ولم يجلب الصراع المستمر في سوق أسعار النفط، الذي بدأ في ظل إدارة "الفالح"، أيا من العائدات الإضافية التي كانت المملكة تأمل في تحقيقها.
وهناك حاجة في السعودية إلى دماء جديدة، هذه المرة لدعم نجاح ملحمة اكتتاب "أرامكو".
وقد تم تحديد الأهداف، وسيتم إزالة أي شخص يعارضها، لكن إبعاد "الفالح" عن رئاسة "أرامكو" يعد مقامرة، حيث يكسر تقاليد طويلة تمتد لعقود كان فيها وزير الطاقة دائما هو رئيس "أرامكو".
ولا تزال هناك فرصة لقيام القوى المحافظة داخل الحكومة بمقاومة ما، ولكن مع كل يوم يمر، يعزز "بن سلمان" سلطته أكثر فأكثر.