صحيفة “فايننشال تايمز”-
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” في لندن تقريرا لمراسيلها في لندن ودبي والرياض حللوا فيه أسباب سقوط وزير الطاقة السعودية خالد الفالح، وأشاروا فيه إلى أنه كان ضحية حماسة ولي العهد محمد بن سلمان لطرح أسهم شركة النفط أرامكو في السوق العام.
ونوهت الصحيفة إلى أنه قبل عام بدا الفالح آمنا في موقعه كوزير للطاقة والصناعة والمعادن، وبسبب دبلوماسية النفط ارتفعت أسعار النفط لأعلى مستوى منذ انهيارها عام 2014 وتم تأجيل طرح أرامكو، مما أشار إلى أن التكنوقراط، بمن فيهم الوزير، قد انتصروا في الجولة، وفي دعوتهم لنهج حذر في التعامل مع عملية الطرح العام.
وعندما احتاج بن سلمان لشخص يرمم صورته التي تشوهت بعد مقتل خاشقجي في مؤتمر الرياض الذي أطلق عليه “دافوس في الصحراء”، كان الفالح وسط المسرح، في إشارة لموقعه في الداخل والخارج. لكنه الآن لم يعد مهما أو فائضا عن الحاجة في ظل رغبة بن سلمان بتسريع عمليات الطرح العام وحقن زخم جديد في الاقتصاد المترنح.
ويرى المراسلون أن عزل الفالح يعد في ظل حكم ولي العهد البالغ من العمر (34 عاما)، الذي اتسم بالتقلب، هبوطا لواحد من المسؤولين الكبار في المملكة. وتم رسم نهايته بطريقة مذهلة استمرت تسعة أيام، بدأت بإعلان الرياض عن إنشاء وزارة خاصة للصناعة والمصادر الطبيعية، تم سحبها من صلاحيات الفالح، وبعد يومين تم عزله من إدارة مجلس شركة أرامكو وتعيين مدير صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، بدلا منه.
وتم التعبير عن الدهشة من القرارات وليس الصدمة لأن كل قرار كان له منطقه، فقرار فصل الصناعة والمعادن عن الطاقة جاء بعد شكوى من توسع صلاحيات الفالح وأنه لم يقدم الكثير في مجال الصناعة وإستراتيجيتها، أما عزله من مجلس أرامكو فهو متعلق بأمور إدارية، لأنه لم يظل وزيرا للطاقة ومديرا للطاقة قبل البدء في عملية الطرح العام.
وافترض المقربون من الحكومة أن الفالح بعد قصقصة أجنحته سيواصل التركيز على عمله في مجال الطاقة الذي يعد من أهم القطاعات تأثيرا في المملكة، إلا أنه تلقى الضربة القاضية بعد أربعة أيام عندما عزل من منصبه كوزير للطاقة، في مرسوم ملكي نشر في الساعات الأولى من صباح الأحد، وتعيين الأمير عبد العزيز بن سلمان بدلا منه، وهو الأخ غير الشقيق لولي العهد.
ودفع الفالح على ما يبدو ثمن أسعار النفط البائسة وعدم حماسته البادية من خطط الطرح العام للشركة وطريقة إدارته للوزارة التي اعتبرها البعض في الحكومة غرورا.
وقال شخص مطلع: “ربما كانت علاقته سيئة مع بقية الوزراء في الحكومة، مثل وزيري التجارة والمالية، ولم يكن على صلة جيدة مع بعض الزملاء”، ورفض هذا الشخص ما قيل عن معارضته للطرح العام قائلا: “لم يكن ضده بل كان مقتنعا، وحتى لو رفض فعليه اتباع الأوامر من سيده”. إلا أن البعض الآخر قال إن المعارضة الضمنية للطرح السريع للشركة التي قضى معظم حياته العملية فيها، بما فيها ستة أعوام كمدير تنفيذي، كانت السبب في نهايته.
وقال مستشار لشركة أرامكو: “نظر للفالح كعقبة بطريقة لا ينظر فيها للمدير الجديد”، مضيفا أن الفالح يستطيع التعبير عن مواقفه بصراحة أكثر دفاعا عن مصالح الشركة، وأنه “دعا إلى نهج حذر ولم يفهم أن سيده كان يريد التحرك سريعا، وكان يريد الطرح العام الآن”، خاصة أن بيع جزء من أسهم الشركة يقع في قلب رؤية 2030 التي يريد من خلالها تقليل الاعتماد على النفط والاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل السياحة والترفيه، وتم تأجيل الخطة العام الماضي بسبب الخلاف حول الأمور القانونية، وإن كان يمكن تحقيق التقييم الذي قدمه بن سلمان للشركة، والبالغ تريلوني دولار.
وكانت هناك حاجة لزيادة مالية صندوق الاستثمارات العامة، ولهذا السبب الذي كان وراء ملكية الصندوق نسبة 70% من أسهم شركة البتروكيماويات (سابك). وبدا أن الخطوة هذه هي تأجيل آخر للطرح العام. إلا أن المزاج تغير في نيسان/ إبريل بعد الاهتمام بالسندات التي أصدرتها أرامكو وباعتها وسط اهتمام واسع بـ12 مليار دولار، إضافة إلى الكشف عن عائدات 111 مليار دولار العام الماضي.
وأكد نجاح السندات فكرة أن المملكة تجاوزت التداعيات السلبية التي نتجت عن مقتل جمال خاشقجي. وبدأ المصرفيون بالتدفق إلى المملكة التي أحيت فكرة الطرح العام للشركة، وأخبر الفالح مؤتمرا في ذلك الشهر أن الطرح سيكون “عاجلا أكثر مما توقعون”، قائلا إن الموعد المحدد 2021 قد يتأخر أو يتقدم. وبدأت البنوك بتقديم خطط للمساعدة في تقديم النصيحة. وقال مقربون منه إن الحكومة تريد طرحا محليا في هذا العام، إلا أن الجهود هذه أدت لزيادة التوترات التي أدخلت الفالح فيها، ففي حزيران/يونيو، كشفت الصحيفة أن الحكومة كانت تبحث عن طرق لتوضيح العلاقة بين أرامكو ووزارة الطاقة قبل عملية الطرح العام. بالإضافة إلى دفع الشركة تكاليف وزير النفط، كما هي العادة، الأمر الذي أصبح موضوعا حساسا.
وسرت شائعات من أن طريقة الإدارة المصغرة التي يقوم بها الفالح في أرامكو ضايقت الكثيرين.
ويقول أحد العاملين في أرامكو: “حتى بعد أن أصبح الفالح وزيرا ومديرا عاما، إلا أنه لم يسمح للمدير التنفيذي أمين ناصر إدارة الشركة بدون تدخلاته”، إلا أن المستشار لأرامكو يرى أن الطريقة التي عزل فيها الفالح تكشف عن الأسلوب الشرس للحكم في السعودية: “لا يفهم ولي العهد حجم التحديات للمملكة ولشركة النفط، وهو متعجل لتحقيق تقدم سريع”.
ويقول مطلعون إن التغيير كان قادما، إلا أن الفالح التكنوقراطي القوي لم يكن أبدا من ضمن حلقة بن سلمان الذي كان يبني قاعدة سلطته، واعتمد على زمرة من الأشخاص، مثل المصرفي السابق ياسر الرميان وغيره.