سيان أوجرادي - الإندبندنت-
رغم كل التغطيات الإعلامية حول الاكتتاب العام، تعد الحقيقة التي فشلت السعودية في إخفائها هي أن اكتتاب أرامكو كان أضعف بكثير من المتوقع. وكانت الشركة قد أمضت الأعوام القليلة الماضية في السفر حول العالم لجذب المستثمرين والأشخاص الذين يديرون البورصات الرائدة في العالم. وبعد كل هذا، وبينما بدا المستثمرون كأسود تترقب فريستها، لم تكن الفريسة سوى فأرا صغيرا، حيث تم الإعلان بأنه سيتم إدراج الشركة فقط في سوق الأسهم المحلي، والأكثر من ذلك، أنه لن يتم بيع سوى نحو 1.5% من الشركة فقط.
وتم بيع ثلث الأسهم تقريبا لمن يسمون بـ "مستثمري التجزئة". و"مستثمرو التجزئة" من الجمهور الذين يحوز كل منهم بين 100 و500 سهم على الأكثر، ولكن معظمهم في الواقع مستثمرون محليون أثرياء، وأثرياء للغاية، وغالبا ما يتعذر تمييزهم عن العائلة المالكة التي تمتلك بقية الأسهم. لذلك لا يمكن اعتبار أن هناك تغيير وقع بالفعل.
وتختلف التقديرات حول تقييم الشركة على نطاق واسع، لكن الحكومة السعودية حرصت على أن يصل تقييمها إلى 2 تريليون دولار. ومن شأن ذلك أن يجعلها واحدة من أكبر الشركات في العالم، حيث تصل إلى ضعف حجم شركة مثل "آبل"، و3 مرات حجم شركة شركة "رويال داتش شل"، من حيث القيمة السوقية. ومع ذلك، كما قلت، سوف يتم تداول جزء ضئيل فقط من هذه القيمة، بقيمة نحو 25 مليار دولار، في سوق الأسهم.
دلالات الأرقام
وإذا وضعنا الأرقام جانبا، فإن ما يهمنا هو ما يخبرنا به بيع أرامكو حول مستقبل صناعة النفط والمملكة العربية السعودية. وتبدو الرسالة الواضحة هي أنه حتى السعوديون يريدون التخلص من الكربون. وتدرك المملكة أن الولايات المتحدة اخترقت بقوة سوق النفط، وهي تدرك بشكل متزايد أيضا أن منتجي النفط الآخرين يمكنهم ضخ النفط بأسرع ما يمكن، وهو ما يعني انخفاض السعر. ويعلم السعوديون أن حالة الطوارئ المناخية تجبر الحكومات على وضع أهداف أكثر طموحا لاستبدال الكربون، وأن العالم من المرجح أن يتخلى عن الكربون في غضون عمر الحكم المتوقع لولي العهد "محمد بن سلمان".
والرسالة الثانية، وربما الأهم، هي أن السعوديين يريدون التحرر. وهم يعلمون أن بعض المستثمرين سيتأثرون بالمخاوف الأخلاقية بشأن المملكة. وهم يعلمون أن شركة أرامكو ليست منفصلة عن العائلة المالكة، وأنها ستخضع للتدقيق على الأقل من بعض المساهمين. وقام ولي العهد السعودي ببعض الإصلاحات الضعيفة جدا بالمعايير الغربية، فمن الغريب الاحتفاء بالسماح للمرأة بقيادة السيارة أو الدخول إلى مطعم من نفس الأبواب التي يدخل منها الرجال، لكنها كانت تحولات جذرية بما فيه الكفاية في المملكة. ويُعد بيع شركة أرامكو، على الأقل جزئيا، خطوة مهمة أخرى.
وسيحتاج الاقتصاد السعودي إلى إعادة هيكلة شاملة إذا أُريد له اللحاق بركب النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين. والقائمة تطول، بدءا من تعزيز الشركات المملوكة ملكية خاصة ووجود مدراء مستقلين للشركات الحكومية يعملون على حماية مصالح المساهمين، والشفافية في الطروح العامة لعقود المشتريات الحكومية، وفتح قطاع الخدمات للمنافسة، بما في ذلك للشركات الأجنبية.
ومع ذلك، يجب أن يكون المجتمع السعودي الأولوية الأولى. فلا يمكن لدولة تتجاهلها معظم دول العالم بسبب مقتل "جمال خاشقجي" والحرب التي لا ترحم في اليمن أن تنجز ملف التنويع الاقتصادي عبر السياسة الاقتصادية وحدها. وإذا كانت الحكومة السعودية ترغب في تأمين مستقبلها، فعليها الاعتماد على الشركات الناجحة عالميا التي تعمل بكفاءة في بيئة الحريات الأساسية المدعومة في الغرب. ويعمل الاقتصاد الحر بشكل أفضل في مجتمع حر، وحتى تصبح المملكة حرة، فلن يزدهر اقتصادها أبدا.