(فؤاد السحيباني\ راصد الخليج)
لمشروعات التّحديث الهائلة أثمان كبيرة وتحدّيات خطيرة، وللفشل فيها نتيجة واحدة غالبًا، وهي كسر توازن الحكم القائم، ما يؤدي إلى ثورة تكنس العهد الخاسر كله، وتتضاعف العواقب كلّما كان توازن الطّبقة السياسية مهزوز وقدرتها على الحكم والإدارة يلفّها الشكّ والغموض.
طرح الأمير محمد بن سلمان «رؤية 2030» كمفتاح عصر جديد، يقوم فيه بدور البطل الأوحد على الساحة الداخلية بالمملكة، وعلى رقعة جغرافية واسعة بالمحيط العربي، نجح أولًا في الحصول على مباركة الإدارة الأميركية السابقة، ثمّ قلّم أظفار كلّ معارضيه بالداخل، وطبّق سياسة الأمر الواقع، فجأة وبعنف، والتي بدورها كسحت بالصّدمة ما تبقّى من معارضة كانت خافتة بالأساس.
وفي سبيل تكوين رأي واضح بشأن رؤية المملكة 2030، لا بدّ أولًا من الإقرار إنّها مشروع كبير، يحتاجه استمرار المملكة ذاتها، أكثر من كونها مسوّغًا لقبول حكم أو شخص، المملكة وصلت إلى حالة من الهشاشة في وضعها الاقتصادي لا تخفى على أحد، وتجربة انهيار أسعار النفط في 2015 لم تترك أحدًا إلا لفحته بتداعياتها الحارة جدًا.
لكن وبعد 6 سنوات من دخول الرؤية حيّز التنفيذ، تصفع النتائج المتحقّقة كلّ ما قيل عن إنجاز أو نجاح، كشف فيروس "كورونا" مواطن الضّعف بسرعة قاتلة، تستدعي مراجعة شاملة للأهداف، وترتيب مختلف للأولويات، يجعل من المواطن محور العمل والجهد
والمؤشّر الأكثر أهمية من الأرقام أو شهادات حسن السلوك التي يمنحها صندوق النّقد وأخيه البنك الدوليين.
الجميع تأثر بفيروس كورونا، من الاقتصاد الصيني الأكثر ديناميكية ومرونة ونموًا، إلى الأميركي الأضخم والأكثر تقدّمًا في العالم، ومن أوروبا الغنية إلى إفريقيا الفقر والبؤس، لكنّ التّعامل مع الأزمة إمّا قلّل آثارها وحصرها، وهذا هو النجاح بعينه، أو فشل في التّعاطي معها، ثمّ فشل في معالجة آثارها وتركها تنهش وتمزق لحم بلاده.
المملكة أولًا تعتمد على النفط بشكلٍ كامل، وحصري، لم تنجح الخُطط الموضوعة ولا الأشكال البيانية المعقدة والإنفراجات الملونة في عبور هذا العصر، ثلثي الإيرادات العامة بالكامل يأتي من النفط وحده، وإذا أضفنا صادرات البتروكيماويات –التي تضعها الموازنة في باب منفصل لذر الرّماد في العيون- لكانت المملكة كلها قائمة على هذا الريع وحده، وبلا تجنّ.
ومع تراجع الأسعار المستمر لبرميل النفط، بفعل حرب أسعار غير عاقلة، ثمّ ضعف الطلب العالمي مع جائحة كورونا، فإنّ الأثر المتحقّق على المملكة بات مروّعًا.
على سبيل المثال وليس الحصر، فإن مبيعات السيارات تؤشر لمستوى المعيشة، وقد تراجعت مبيعات السيارات الجديدة في المملكة بنسبة هائلة، في 2015 بيعت بأسواق المملكة 800 ألف سيارة جديدة، انخفضت في 2019 لتسجّل 500 ألف فقط، والعام الماضي 2020 كله وصلت إلى أقل من 300 ألف فقط.
البطالة هي الأخرى تواصل انفلاتها، خاصّةً بين فئة المتعلمين والجامعيين، مع دفعات جديدة تخرج كل عام إلى سوق العمل المتخَم أصلًا بالمتعطلين، 63% من المتخرجين الجدد عاطلين عن العمل، والبلد تحتاج إلى 400 ألف فرصة عمل سنويًا لاستقبال خريجي الجامعات فقط، فضلًا عن القوة الهائلة الموجودة مسبقًا والتي تعدّ قنبلة موقوتة تضرب سلامة المجتمع وتحتاج بشدّة لفرصة في الحياة.
خلال الأسبوعين الماضيين عاودت أسعار النفط ارتفاعها، لتحلّق قريبًا من 60 دولارًا للبرميل، عقب رضوخ السياسة السعودية النفطية أخيرًا لصوت العقل وتقييد إمدادات النفط، خبر قد يكون سارًا للكثير من الدول داخل أوبك، لكن السعر الذي يمنح الموازنة السعودية بعض الرتق لا يجب أن يقل عن 75 دولارًا/للبرميل بحسب كابيتال إيكونوميكس المتخصّصة.
جفاف الأرقام مع سلبيتها يمنح المتابع إحساسًا بالمرارة القاتلة، لكنّها حقائق محايدة، تحكم بالنتيجة على الأفعال، وتخاصم النّيات وإن صلحت، داعية إلى وقفة خالصة للوطن، ومسار مختلف من أجل غدٍ نرجوه أفضل من الواقع الحالي، بكل عجزه وتراجعه.
الإصلاحات الاقتصادية التي تمّت، وفقًا لمعايير ورغبة المؤسّسات الدّولية قد وصلت إلى منتهى طريقها، لن يكون المواطن الآن، وفي ظلّ الظّرف المستجد لتفشي فيروس كورونا، قادرًا على تحمّل ضرائب أو أعباء إضافية، والقطاع غير النفطي في البلاد يشهد انكماشًا مروّعًا، يمنعه مع التّجاوب مع أي مطالب بإضافة مصروفات جديدة، والحل يبدو جليًا في بعض التّعقل، يمنح الوقت للهدوء اللازم، عقب فترة من المغامرات التي لم تنتج سوى زيادة الإلتزامات والخسائر.