سباستيان كاستلير/المونيتور - ترجمة الخليج الجديد-
أعلن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" عن حشد شركات القطاع الخاص لضخ استثمارات بقيمة 1.3 تريليون دولار في الاقتصاد السعودي على مدى العقد المقبل لإطلاق "قطاع خاص مزدهر" وتحويل الاقتصاد بعيدا عن النفط.
ويأتي ذلك كجزء من حملة استثمارية تقودها الدولة بقيمة 3.2 تريليون دولار وتشمل أيضا صندوق الاستثمارات العامة.
وتقود 24 شركة محلية من القطاع الخاص، بما في ذلك شركة النفط العملاقة "أرامكو" وشركة البتروكيماويات الوطنية "سابك"، برنامج "شريك".
وطُلب من أكبر الشركات المدرجة خفض أرباحها لإعادة توجيه الأموال إلى الاقتصاد المحلي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية "أمين ناصر" إن المشاركة في البرنامج تطوعية.
ويثير تاريخ البلاد شكوكا حول دفع شركة النفط بالقوة إلى مشاريع حكومية لا علاقة لها بأعمال الطاقة.
وقبل إدراج الشركة في سوق الأسهم عام 2019، أفادت تقارير أن السعودية هددت العشرات من أغنى العائلات في المملكة من أجل الاستثمار في الشركة بدافع "الواجب الوطني"، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وتأتي الحملة الاستثمارية بقيمة 3.2 تريليون دولار كأحدث محاولة للرياض لتشغيل رأس المال السعودي محليا.
وتعهد صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار، بضخ 40 مليار دولار في الاقتصاد المحلي كل عام حتى عام 2025.
ومع ذلك، فإن الاستثمارات التي تبلغ قيمتها مليار دولار في المشاريع العملاقة الرئيسية ضمن "رؤية 2030"، بما في ذلك المدينة المستقبلية "نيوم" والمدينة الخطية ومشروع "القدية" الترفيهي، تثير تساؤلات حول مخاطر تخصيص الموارد للمشاريع الضخمة.
وتقدم تجربة مدينة الملك "عبد الله" الفاشلة مثالا على المشاريع العملاقة التي غرقت في رمال الصحراء حتى قبل انطلاقها.
ويرد المسؤولون السعوديون على أنه قد تم تعلم الدروس من التجارب السابقة، وقال "سكوت ليفرمور"، كبير الاقتصاديين في "أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط"، إن التحول إلى الداخل يمكن أيضا أن "يعرقل تحقيق بعض أهداف رؤية 2030 من خلال عدم الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة".
المستثمرون الأجانب يزنون المخاطر
وقد يكون القصد من جعل الاستثمارات السعودية تقود الطريق هو التعويض عن عجز المملكة عن تلبية أهداف الاستثمار الأجنبي المباشر، التي كانت ذات يوم تعتبر حيوية لخطة إصلاح ولي العهد.
وذكرت "بلومبرج" أنه منذ انطلاق برنامج التحول الوطني لعام 2016، "لم تفشل الدولة فقط في تحقيق الأهداف، بل تراجعت حتى بالنسبة إلى نقطة البداية".
ويتضمن جزء من حملة الاستثمار البالغة 3.2 تريليون دولار زيادة بنحو 10 أضعاف في الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بالمستويات الحالية، وهو رقم وصفه المحللون بأنه غير واقعي.
وقد يشكل التركيز العالمي على سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان خطرا متصورا على سمعة بعض الشركات الأمريكية والغربية التي تتطلع إلى الاستثمار في المملكة.
وفي عام 2018، قاطع العشرات من المستثمرين والمسؤولين الدوليين مؤتمر الاستثمار الرئيسي للمملكة الذي عقد بعد أسابيع قليلة فقط من مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وبعد ذلك بعام، بالرغم من عودة المستثمرين، فشلت المملكة في تحقيق هدفها من الاستثمار الأجنبي المباشر البالغ 10 مليارات دولار، وكان كل ما جمعته أقل من النصف.
ومع ذلك، قال "ستيف لوتس"، نائب رئيس شؤون الشرق الأوسط في غرفة التجارة الأمريكية، إنه بالرغم من تعهد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية والتدقيق على سجل حقوق الإنسان، ما زالت الرياض شريكا اقتصاديا مهما للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وأضاف: "نتوقع أن تواصل الشركات الأمريكية الاستثمار وتسعى وراء فرص تجارية جديدة عبر مجموعة من القطاعات في المملكة".
وخلال العام الماضي، تفوق أداء المملكة بالنظر إلى الركود الدولي بسبب "كورونا"، حيث اجتذبت السعودية 5.49 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بزيادة 20% تقريبا عن عام 2019.
وعلى الصعيد العالمي، كان الاستثمار الأجنبي المباشر نحو نصف الحجم الذي كان عليه في عام 2016.
وبالرغم من الحرب في اليمن،وهجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية في عمق أراضي المملكة، أعلن وزير الاستثمار السعودي "خالد الفالح" أن "إجمالي الاستثمار المستهدف على مدى العقد المقبل "سيكون أعلى من 3 تريليون دولار".
لا توجد مكاسب سريعة.. ولكن فرص طويلة الأجل
وإلى جانب ضخ رأس مال جديد في مشاريع "رؤية 2030"، تعمل المملكة أيضا على إصلاح ثقافة أعمالها التي كانت غير مرنة في السابق.
وبحسب "الفالح"، تم تعديل أكثر من نصف لوائح الاستثمار الأجنبي المباشر.
وخلال العام الماضي، تحسنت مرتبة السعودية في تصنيفات البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال.
ومع ذلك، يجب القيام بالمزيد من العمل لجذب المستثمرين الأجانب، وخاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية وحل الانتهاكات القائمة.
وقال "لوتس" إن "التحول الرقمي، واتباع سياسة تجارية قائمة على التصدير، وضمان عملية استشارية في الإصلاحات التنظيمية وصناعة القواعد، كلها خطوات يجب معالجتها لزيادة الاستثمارات".
وعلى المستوى الاجتماعي، تهدف الإصلاحات التي أطلقت شرارة التحول في العقلية السعودية إلى تمهيد الطريق للمستثمرين الأجانب لدخول السوق السعودي.
فقد رفعت الدولة الحظر الذي فرضته على قيادة المرأة للسيارة، وقيدت سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدأت في دفع السعوديين في القطاع العام نحو التوظيف في القطاع الخاص.
ولكن بالرغم من الجهود المبذولة لتخفيف أسلوب حياتها المحافظ وخلق فرص جذابة في الاقتصاد غير النفطي، لا تزال السعودية متخلفة عن الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، كمركز خليجي للأعمال حيث يوجد أسلوب حياة أكثر ليبرالية نسبيا.
وباستخدام نهج "الجزرة والعصا"، أصدرت الرياض إنذارا نهائيا في فبراير/شباط 2021 (على أمل جذب 500 شركة أجنبية في العقد المقبل) لنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة أو خسارة العقود الحكومية المربحة هناك.
وقال مسؤول تنفيذي مقيم في دبي لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "سأرد بـ 3 كلمات حول فرصة انتقالنا إلى الرياض، إنه أمر مستحيل".
وبالرغم من ذلك يدافع مراقبون عن الفرص في المملكة باعتبار أن "الاستثمار في السعودية لا يتعلق فقط بالمكاسب السريعة ولكن بالفرص طويلة الأجل".