القدس العربي-
كشفت مقابلة بثها التلفزيون الرسمي السعودي مساء أول أمس الثلاثاء مع ولي العهد محمد بن سلمان عن آراء اقتصادية لافتة للنظر وخروجها عن معتاد التصريحات الدبلوماسية الإيجابية حول الماضي والحاضر والمستقبل، إضافة إلى آراء سياسية مهمة فيما يتعلّق بقضايا المنطقة، وعلى الخصوص ما يتعلق بالموقف السعودي من إيران واليمن.
ركّزت المقابلة على البرامج والمشروعات التي تم إنجازها خلال السنوات الخمس الماضية ضمن ما يسمى «رؤية المملكة 2030» وكان لافتا تقديم الأمير تفسيرات للتغييرات الكبيرة التي جرت على صعيد الدولة، بالقول إن عام 2015، «كان صعبا للغاية» و«80٪ من الوزراء غير أكفاء».
على المستوى الاقتصادي أكد ولي العهد السعودي أن «إيرادات صندوق الاستثمارات العامة لخزينة الدولة الآن صفر» وبرّر الأمير فرض ضريبة القيمة المضافة على السعوديين بكونها «جاءت في ظل الجائحة والتحديات الاقتصادية التي واجهها العالم في 2020».
تطرّق بن سلمان أيضا إلى العلاقة المعروفة في تاريخ السعودية الحديث بين المملكة والمدرسة الوهابيّة، بشكل يخفّف من صلابة هذا التحالف، حيث اعتبار الالتزام «بمدرسة معينة أو بعالم معين فمعناه أننا ألّهنا البشر» معتبرا أن «الشيخ محمد بن عبد الوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا للاجتهاد ونؤلهه أو نضخمه لعارض هذا الشيء».
عبّر الأمير أيضا عن التغيّر الذي طرأ في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرارات الرئيس الجديد جو بايدن فيما يخصّ حرب اليمن وقضية اغتيال جمال خاشقجي، فأشار إلى وجود «هامش اختلاف» وأن القيادتين متفقتان «بنسبة 90٪» لكنّه أكد أن «المملكة لن تقبل أي ضغط أو تدخل في شأنها الداخلي».
ويبدو أن القيادة السعودية، التي أنكرت قبل فترة قصيرة، حدوث مباحثات مع إيران، تركت الأمر للإلماح إليه على لسان ولي العهد، الذي أكد أن «إيران دولة جارة وكل ما نطمح له أن تكون لدينا علاقات طيبة مميزة معها» وأن «المملكة لا تريد أن تكون إيران في وضع صعب، وبالعكس تريد إيران مزدهرة وتنمو» وهو خطاب سياسيّ جديد يخرج عن التأطير الدبلوماسي، لكنّه لا يغفل الخلاف على البرنامج النووي لطهران ولدعمها «ميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة» على حد قوله.
هناك تغيّر ملحوظ أيضا في خطاب الأمير، الذي استهلّ سلطاته كوزير دفاع حينها بالتدخل العسكري في اليمن عام 2015، فرغم حديثه عن عدم قانونية الانقلاب الحوثي، فقد قال إن الرياض عرضت «الدعم الاقتصادي لليمن وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاق النار من قبل الحوثي» مع الإشارة إلى أن «الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعته العروبية واليمنية».
يكشف الخطاب السعودي الجديد استجابة أملتها ضرورات عسكرية وسياسية واقتصادية، بدءا من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي باشرت ضغوطا سياسية وتسليحية على الرياض، وأعادت فتح المفاوضات مع إيران لإعادة الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات عليها، ومرورا بالاستعصاء اليمني وتكثّف الهجمات الحوثية داخل السعودية، وفشل الحصار على قطر، وأخيرا، وليس آخرا، الصعوبات الاقتصادية المتعلقة بتراجع أسعار النفط وتداعيات وباء كورونا.