بول ايدون- ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد
عتزم السعودية توسيع قطاع التصنيع المحلي للأسلحة خلال العقد المقبل بشكل كبير، لكن القيام بذلك وسط أسعار نفط منخفضة واقتصاد متضرر من الوباء يمكن أن يكون تحديا للمملكة.
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الرياض أنها ستستثمر أكثر من 20 مليار دولار في صناعة الأسلحة المحلية، في إطار تطلعها لإنفاق نحو 50% من ميزانيتها العسكرية على مصادر محلية بحلول 2030.
وسوف يؤدي بناء المزيد من أنظمة الأسلحة إلى تقليل حاجة المملكة لاستيراد الغالبية العظمى من المعدات العسكرية والذخيرة وقطع الغيار، كما تفعل حاليا.
وفي الوقت الحاضر، تعد المملكة الغنية بالنفط واحدة من أكبر المستوردين للمعدات العسكرية في العالم، وأحيانًا ما تواجهها المشاكل بسبب الاعتماد الكثيف على الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل خاص في أنظمة الأسلحة.
وعلى سبيل المثال، جمدت إدارة "بايدن" مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى الرياض بسبب حربها المدمرة في اليمن قائلة إن الصفقات المستقبلية ستقتصر على الأسلحة الدفاعية فقط.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تزال تساعد المملكة بنشاط في بناء قدراتها الدفاعية ودعم جهودها لتوطين التصنيع.
وبعد وقت قصير من تولى "بايدن" منصبه، أقامت "الشركة السعودية للصناعات العسكرية"، وهي شركة دفاع مملوكة للدولة، مشروعا مشتركا مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية والتي "ستقوم بتطوير قدرات محلية لنقل التكنولوجيا والمعرفة، وتدريب القوى العاملة السعودية على التصنيع، وتوفير الخدمات للقوات المسلحة السعودية"، وفقًا لما أفاد به بيان الشركة السعودية.
كما تساعد شركة "لوكهيد" أيضا السعودية على إنشاء نظام دفاع صاروخي بقيمة 15 مليار دولار في وقت تتعرض فيه المملكة لصواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة التي تنطلق من اليمن المجاورة.
هدف بعيد المنال
في عام 2019، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقية مشتركة مع السعودية لتصنيع مكونات رئيسية للأسلحة "الموجهة الدقيقة" في المملكة، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" أفادت بأن الصفقة "أثارت مخاوف من أن السعوديين يمكنهم الوصول إلى التكنولوجيا التي ستسمح لهم بإنتاج نسختهم الخاصة من القنابل الأمريكية الموجهة بدقة".
وقالت "إميلي هاوثورن"، محللة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "ستراتفور" الأمريكي: "لقد حققت السعودية الكثير من التقدم في مجال صناعة الأسلحة المحلية، خاصة فيما يتعلق بتطوير أنظمة الأسلحة البرية والإلكترونيات والقنابل الذكية".
واستدركت قائلة: "لكن هدف إنفاق 50% من الميزانية العسكرية للمملكة على أسلحة محلية لا يزال هدفًا بعيد المنال، وغير مرجح".
وأشارت "هاوثورن" إلى أن المملكة تعتمد اعتمادا كبيرا على المصادر والواردات الأجنبية لـ"الأسلحة المتقدمة تكنولوجيًا والطائرات والسفن".
وأضافت: "تمكنت الرياض من تحويل بعض الأموال المخصصة سابقا للاستيراد لتطوير البدائل المحلية لكن هدف زيادة الانفاق المحلي من 2% في عام 2018 إلى 50% بحلول عام 2030 غير واقعي، إذا أرادت الرياض الحفاظ على قدراتها العسكرية وترسانتها من الأسلحة المتقدمة".
يُذكر أن الإمارات المجاورة للسعودية، نجحت في تحقيق بعض التقدم افي مجال التصنيع المحلي لبعض الأسلحة من خلال مجموعة "إيدج" الدفاعية المملوكة للدولة.
وكشفت "إيدج" مؤخرًا عن ذخائر مصنوعة محليا، والمعروفة أيضا باسم طائرات "كاميكاز" المسيرة الانتحارية، كما أعرب المدير التنفيذي عن هدف الشركة بأن تصبح جزءا من سلسلة إمدادات برنامج "جوينت سترايك فايتر" الخاص بطائرات "F-35" من الجيل الخامس، وحتى تطوير الصواريخ الخاصة بمقاتلات الشبح الأمريكية.
وقالت "هاوثورن": "أعتقد أن السعودية ستكون قادرة على إحراز تقدم مماثل لإيدج من حيث الأسلحة الصغيرة والمدفعية وما يتعلق بتعزيز القدرات التكنولوجية، لكن الرياض ما تزال على بُعد سنوات عديدة من القدرة على إنشاء علاقات مثل تلك التي تتمتع بها إيدج وتؤهلها لتصدير تلك المنتجات للعملاء الإقليميين".
تحول عسكري
وأشارت "كيرستن فونتينروز"، مديرة دراسات أمن الشرق الأوسط في مركز "أتلانتيك كاونسل"، إلى أن المملكة "تمر بتحول عسكري منذ سنوات".
وبحسب "فونتينروز"، فإن "المشروع يحقق بعض التقدم بسبب الاهتمام الشخصي من قبل ولي العهد بوزارة الدفاع التي يديرها فعليا أخوه نائب وزير الدفاع".
وأضافت "فونتينروز": "منذ سنوات والسعودية تحاول التفاوض على صفقات لشراء منصات عالية التقنية من الولايات المتحدة ودول أخرى مثل روسيا، وتحاول السعودية أن تتضمن الصفقات نقل المعرفة لتصنيع المكونات الحيوية لهذه المنظومات محليا"، مضيفة: "سيعتمد نجاح الصناعة المحلية على هذا المسار".
وأوضحت أن الرياض بحاجة إلى أن تحاكي بنجاح "إيدج" وصناعة الأسلحة المحلية المتنامية في الإمارات.
وقالت: "تم تعزيز إيدج من خلال استراتيجية تبدأ بنظام التعليم لإعداد الإماراتيين أكاديميا ليأتي منهم الموظفون المحتملون في قطاع الدفاع، وهذا النموذج قابل للمحاكاة إذا اختارت السعودية هذا النهج، لكن نتائجه ليست فورية".
وأردفت: "في حال تحقق ذلك، فستكون غالبية هؤلاء الموظفين في المستقبل إناثًا، في ضوء الإحصاءات الأكاديمية في السعودية".
الاكتفاء الذاتي
تسحب الولايات المتحدة قواتها تدريجيا من الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية، وقالت واشنطن الأسبوع الماضي إنها ستخفض عدد القوات ووحدات الدفاع الجوي المنتشرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك بطاريات "باتريوت"، كما قالت أيضا إنها ستقوم بإزالة نظام "ثاد" المضاد للصواريخ من السعودية.
ومع ذلك، فإن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن قال إن تراجع حجم الأصول العسكرية الأمريكية في المملكة لن يؤثر على قدراته الدفاعية.
وقال "تركي المالكي" المتحدث باسم التحالف للصحفيين: "لن يؤثر ذلك على الدفاعات الجوية السعودية.. لدينا تفاهم قوي مع حلفائنا بشأن التهديدات في المنطقة.. ولدينا القدرة على الدفاع عن بلدنا".
ومن المحتمل أن يكون هذا التطور، إلى جانب الرغبة العامة للمملكة في تقليل اعتمادها على مصادر أجنبية لمشتريات الأسلحة، من العوامل الرئيسية التي تحفز مشروع الرياض الدفاعي الطموح لعام 2030.
وقالت "فونتينروز" إن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط ،الذي يلوح في الأفق، يعزز الإحساس بإلحاح أهداف المملكة الدفاعية.
وأضافت أن السعوديين يرون "حاجة إلى تحسين عمليات صنع القرار، بالإضافة إلى عمليات الاستحواذ وبرامج التدريب، وخبرات صياغة الاستراتيجية لكي يكونوا أكثر قدرة على ملء الفجوات التي قد يخلقها الانسحاب الأمريكي".
وأوضحت "فونتينروز" أن "أفضل طريقة للحفاظ على انخراط الولايات المتحدة عن كثب هي إيجاد طريقة للتعامل مع التدوير المستمر للمسؤولين الأمريكيين المكلفين بالملف السعودي. لذلك أنشأت المملكة مؤخرا مكتب مساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية، وهو أول مكتب رقابة مدني مسؤول عن السياسة العسكرية والدفاعية".
وفي وقت لاحق من هذا العام، تخطط المملكة للبدء في إعادة هيكلة جيشها لتحاكي النموذج الأمريكي في التوظيف والقيادة القتالية الموحدة.
وفي الوقت نفسه، نوّهت "هاوثورن" إلى أن "هدف التصنيع المحلي للأسلحة يتماشى مع رغبة الحكومة في توظيف المزيد من المواطنين في وظائف متقدمة تكنولوجيًا وذات رواتب جيدة".
وأضافت: "اعتبارات السعودية فيما يتعلق بضرورة الاكتفاء ذاتيا تعتمد بشدة على خطر الصراع مع إيران".