متابعات-
تشهد الساحة السودانية مرحلة اضطراب سياسي منذ إعلان إحباط محاولة انقلاب فاشلة، في ساعة مبكرة صباح الثلاثاء 21 سبتمبر 2021، اتهم بتدبيرها ضباط من الجيش ومدنيون مرتبطون بالنظام السابق.
وتظاهر آلاف السودانيين، يوم الخميس 30 سبتمبر 2021، لدعم الانتقال الديمقراطي ورفض الحكم العسكري، وذلك بعد أيام على إحباط محاولة الانقلاب العسكري، وألقى المتظاهرون الحجارة على الشرطة التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وتؤشر الاحتجاجات إلى تصاعد حدة التوتر في البلاد بين المكونين العسكري والمدني إثر محاولة الانقلاب الفاشلة، مع تبادل الطرفات تصريحات حادة تكشف مدى الانقسام بين أطراف المرحلة الانتقالية.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تأكيده بأن الصراع الدائر ليس بين المكونين العسكري والمدني، إنما صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين.
في حين سجل رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، الأسبوع الماضي، عتباً واضحاً على الحكومة والسياسيين في البلاد، محملاً إياهم مسؤولية التشرذم الحاصل، وبطريقة غير مباشرة محاولة الانقلاب الفاشل.
جهود الوساطة
ومع تصاعد الخلافات السياسية بدأت أطراف محلية ودولية تحركها لتهدئة التوتر، حيث أعلن حزب الأمة في السودان، الخميس 30 سبتمبر 2021، تشكيل لجنة وساطة لحل الأزمة بين المكونين المدني والعسكري في البلاد، وفق الوثيقة الدستورية.
وجاءت هذه التطورات في وقت تستمر فيه الجهود الدولية الداعمة للانتقال المدني والديمقراطي في البلاد، حيث عقدت الأمم المتحدة، الخميس، اجتماعاً دولياً تنظمه النرويج والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في نيويورك، تحت شعار "دعم الانتقال المدني الديمقراطي بالسودان"، بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا).
وبعث البرهان، يوم الجمعة 1 أكتوبر 2021، رسالة خطية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيسة مجلس الأمن الدولي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، تعهد خلالها "بالعمل على منع أي محاولات لإعاقة مسار العملية الانتقالية من أي جهة".
وأكد البرهان حرصه على التحول الديمقراطي والحفاظ عليه حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، مع الالتزام باتفاقية جوبا للسلام، والاستعداد التام لمواصلة التفاوض مع فصائل لم تلحق بركب العملية.
وشدد البرهان على التمسك ببنود الوثيقة الدستورية التي تحكم الشراكة الحالية بين العسكريين والمدنيين.
وقاد مبعوث الأمم المتحدة للسودان فولكر بيرتس، الخميس 30 سبتمبر 2020، وساطة للتهدئة ما بين العسكريين والمدنيين في الحكومة الانتقالية بعد تصاعد التحدي فيما يتصل بالشراكة القائمة، حيث يدرس كل طرف فض الشراكة أو العمل بها وصولاً إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
وعقد المبعوث الأممي لقاءات متعددة مع قيادات عسكرية ومدنية لتقريب وجهات النظر، دعا خلالها للتهدئة بين الطرفين، وضرورة الالتزام بالوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية.
وعن التحرك الأممي أبدى المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين- أحد أبرز فصائل قوى إعلان الحرية والتغيير- الوليد علي، تفاؤله الكبير بنجاح الوساطة الأممية في رأب الصدع بين العسكريين والمدنيين.
ويؤكد علي في حديثه لـ"إرم نيوز" أن "الخلاف بين الطرفين غير جوهري؛ لذلك فإن الوساطة الأممية سيكون لها دور في تقريب وجهات النظر بين الجنرالات وما تبقى من الحرية والتغيير".
الدور الخليجي
وتحتفظ دول الخليج بدور حاسم في المجالات الاقتصادية والإغاثية والسياسية في السودان، حيث قدمت مساعدات مالية وطبية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، كما دعمت الحكومة الانتقالية التي أعقبت عزل الرئيس السابق عمر البشير، بهدف إسناد الخرطوم حتى تحقيق الاستقرار المنشود، وتنوع الدعم الخليجي ما بين المِنح والقروض والمساعدات، إضافة إلى مساندتها في عديد من المواقف الدولية.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي السعودي الدكتور شاهر النهاري: "لا شك أن قضية السودان هي قضية قديمة جديدة، ونتوقع أن تستمر فترة من الزمن على هذا المنوال من عدم الاتفاق، وعدم التوحد، ونشوء كثير من الانقلابات، ومحاولات أخذ الدولة إلى جهة معينة".
وفي حديثه مع "الخليج أونلاين" يبيّن النهاري أن "دول الخليج ترى ما يحدث في السودان، وهي منطقة هامة جداً لها، وبالذات للمملكة العربية السعودية، والتي تقع مقابلة لها في مسافة طويلة من الحدود البحرية".
ويشير النهاري إلى "وجود تشقق واضح في الحكومة، وحتى في المكونات الشعبية التي تريد لمناطقها الانفصال، وخصوصاً الشرق، وهو ما ينذر بأنها ستنفصل عن البلاد، كما حصل في الجنوب، لتصبح السودان عدة مناطق".
ويعرب عن اعتقاده بأن "العسكر لم يقوموا بما كان واجباً عليهم منذ البداية؛ بأن يتفرغوا لفرض الأمن والسلام في المنطقة، وفسح المجال لإقامة دولة مدنية، ولكن ذلك لم يحدث، ولا يظهر أنه سيحدث في المنظور القريب".
ويلفت النهاري إلى "وجود تداخلات خارجية، وهنالك من يحاول الاستيلاء على موانئ السودان، وخصوصاً بور سودان، وهناك محاولات لإظهار الوضع الأمني وكأنه خطر جداً في وسط البلد، وهذا ما يقوم به الجيش في الوقت الحالي".
ويؤكد النهاري "حرص الدول الخليجية على بسط الأمن والسلام في السودان؛ لأن أي عمليات تقسيم أو عمليات فوضى أو ثورات تؤثر سلباً على السعودية وعلى دول الخليج، لذلك فالتدخل الخليجي مطلوب، وهو شيء يجب أن يكون بنظرة عادلة إلى مكونات الشعب وإلى مناطق السودان، وإلى الأزمات التي يمر بها، سواء الأزمات المادية، أو غيرها؛ مثل أزمة المياه مع إرتريا".
ويرجح المحلل السياسي السعودي أنه "حتى النظام العالمي يحاول بطريقة ما إبقاء الفوضى في السودان، وقد يقوم العسكر بهذا الدور في الوقت الحالي، وأنه ليس من مصلحة السودان أن يستمر هكذا"، متمنياً: "من العسكر أن يؤمن الأرض وأن يسلموها إلى القوى المدنية حتى تعود وتحكم البلد".
ويشدد النهاري على وجوب منع الجهات التي تحاول السيطرة على بعض مناطق السودان، وخصوصاً الموانئ؛ لأن ذلك قد يجعل الأمور تصل إلى حرب أهلية مستمرة، كما طالب الأمم المتحدة بالتدخل السريع، وبالاستعانة بالدول الخليجية قبل حدوث كارثة مستقبلية لا يمكن السيطرة عليها.
استهداف الثورة
واتهمت الحكومة الانتقالية ضباطاً ومدنيين مرتبطين بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير بمحاولة الانقلاب، لكن سرعان ما سيطرت الحكومة على الأمور.
وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك: إن محاولة الانقلاب الفاشلة "كانت تستهدف الثورة وما حققه الشعب السوداني من إنجازات".
وأضاف خلال كلمة له في اجتماع طارئ لمجلس الوزراء أن من سماهم بـ"الانقلابيين" كانوا يسعون إلى "تقويض النظام الديمقراطي"، مشيراً إلى أن هذا الأمر مستحيل في ظل ما وصفه بـ"يقظة الشعب السوداني".
وأوضح أن هناك علاقة بين محاولة الانقلاب والانفلات الأمني في بعض مناطق البلاد، والاحتجاجات ذات الطابع القبلي في شرق البلاد.
وأكدت المؤسسة العسكرية السودانية القبض على 40 ضابطاً لمشاركتهم في الانقلاب.
ومنذ إعلان إحباط المحاولة الانقلابية انقسمت آراء الشارع السوداني بين مندد بمحاولة الانقلاب، وبين من اعتبر أنها "مسرحية لجس نبض الشارع السوداني واستمرار فرض حكم العسكر".
وبدأ السودان، في أغسطس 2019، فترة انتقالية، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية يفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع عام 2024.
ويحكم السودان حالياً، بموجب اتفاق تقاسم السلطة المبرم في أغسطس 2019، حكومة انتقالية مؤلفة من ممثلين مدنيين وعسكريين، ومكلفة بالإشراف على عودة الحكم المدني الكامل.
ونص الاتفاق في الأصل على تشكيل مجلس تشريعي خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، لكن تلك الفترة أعيد تجديدها عندما وقع السودان اتفاق سلام مع تحالف الجماعات المتمردة، في أكتوبر 2020.