المونيتور/أمل التويجري - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
بعد بداية صعبة للعلاقات الثنائية عندما تعهد الرئيس "جو بايدن" بـ"إعادة تقويم" العلاقات الأمريكية مع السعودية، يبدو أن البيت الأبيض الآن يعود إلى المبدأ الأساسي الذي يحكم التعاون السعودي الأمريكي. إذ لا يزال الاتفاق الضمني "النفط مقابل الأمن"، الذي عزز العلاقات السعودية الأمريكية طيلة العقود الماضية، ساري المفعول.
وهذا هو السبب في أن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية تستحق بعض التفكير الجديد، وتحديدا حول كيفية المضي قدما.
في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، يضغط الرئيس "بايدن" على منتجي النفط العالميين، خاصة السعودية، لزيادة المعروض من الخام.
في الوقت نفسه، أثبتت العلاقات الأمنية بين واشنطن والرياض أيضا ثباتها ومرونتها؛ نظرا لدعم إيران لميليشيات الحوثي في اليمن والمسار غير المؤكد لمفاوضات استعادة الاتفاق النووي الإيراني.
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن صفقة بيع صواريخ جو-جو للسعودية بقيمة 650 مليون دولار. ستتلقى المملكة ما يصل إلى 280 صاروخا متوسط المدى من طراز "إيه آي إم-120 سي" للدفاع عن نفسها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
في الوقت نفسه، تجاهل تحالف منتجي النفط "أوبك+"، بما في ذلك السعودية، ضغوط إدارة "بايدن"، وقرروا التمسك بخطتهم السابقة لتخفيض إنتاج النفط بـ400 ألف برميل يوميا.
تجلب مبيعات الأسلحة فوائد كبيرة للاقتصاد الأمريكي. في عام 2020، ارتفعت مبيعات الأسلحة الأمريكية المرخصة، سواء التجارية أو التي تسيطر عليها الحكومة، بنسبة 2.8% من 170.09 مليار دولار إلى 175.08 مليار دولار ، ما أدى إلى خلق آلاف الوظائف في الاقتصاد الأمريكي وإدامة عدة آلاف أخرى. ووفقا لأرقام قاعدة بيانات مبيعات الأسلحة في "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فإن 24% من صادرات الأسلحة الأمريكية ذهبت إلى السعودية في تلك الفترة؛ ما يجعل المملكة أكبر مستورد للأسلحة من الولايات المتحدة. ومن غير المحتمل أن تتوقف صادرات الأسلحة بين البلدين.
ومع ذلك، يجب أن يتجاوز التعاون الأمني بين الشريكين مبيعات الأسلحة. فالولايات المتحدة يمكن أن تستفيد إذا دعمت أيضا مبادرة إصلاح دفاعية كبرى جارية بالفعل في المملكة لتوطين صناعتها الدفاعية المحلية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه القادة السعوديون إبعاد اقتصادهم عن الاعتماد على النفط، فإنهم يحاولون أيضًا تنويع الصناعات الدفاعية المحلية. وفي هذا الصدد، أشار ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" إلى أن المملكة، وهي إحدى الدول الخمس الأعلى إنفاقا على الأمن والدفاع في العالم، تنفق أقل من 2% من إجمالي نفقاتها الدفاعية داخليا.
وأطلقت "رؤية 2030"، الخطة الاقتصادية للمملكة لتنويع مصادر دخلها، خطة لتوطين الصناعات الدفاعية، والتي تهدف إلى تقليل الإنفاق العسكري الهائل للمملكة وتوطين أكثر من نصفه بحلول عام 2030. وتأسست "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" (SAMI) - وهي شركة وطنية يديرها صندوق الاستثمارات العامة السعودي- لتطوير ودعم الصناعات العسكرية في المملكة. كما تم إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI) لتنظيم وصياغة السياسات المتعلقة بقطاع الدفاع. مع دخول جميع هذه الإصلاحات حيز التنفيذ ، ارتفعت نسبة المعدات العسكرية المصنعة محليًا من 2% في عام 2017 إلى 8% في عام 2020.
ولتعزيز الابتكار في هذا القطاع، أنشأ مجلس الوزراء مؤخرا "الهيئة العامة للتطوير الدفاعي"، بعد أيام قليلة من سحب الولايات المتحدة بعض أنظمة الدفاع وبطاريات باتريوت من المملكة.
من المرجح أن يدفع التوتر الاستراتيجي المتزايد مع الصين واشنطن إلى إعادة تركيز تواجدها العسكري نحو آسيا. في غضون ذلك، ستواجه واشنطن في الشرق الأوسط لاعبين إقليميين وعالميين يسعون لملء الفراغ الاستراتيجي الذي قد ينجم عن سحب السلاح الأمريكي من المنطقة. وتشترك موسكو وبكين وطهران معا في مصلحة استراتيجية مشتركة لاحتواء الاستفراد الأمريكي بالمنطقة. وستتطلب التهديدات المتزايدة شركاء أكفاء.
ويمكن للإصلاح الدفاعي السعودي أن يخلق حدودا استراتيجية جديدة تخدم مصالح البلدين. ويجب على واشنطن والرياض إعادة تحديد رؤيتهما لتعكس التهديدات الإستراتيجية غير التقليدية الناشئة بالمنطقة. إذ يجب أن تكون مجالات مثل الحرب الإلكترونية والانتشار النووي والحرب غير المتكافئة في صميم المناقشات بين الجانبين. بدأ الإصلاح الدفاعي السعودي في معالجة عناصر تلك التهديدات، لكن الارتقاء بمستوى التعاون الدفاعي بين الجانبين أمر حيوي.
وتلعب شركات الدفاع الأمريكية الخاصة، مثل "بوينج" و"رايثيون" و"جنرل داينمكس"، بالفعل دورا صغيرا في عملية الإصلاح الدفاعي للمملكة من خلال العديد من الشراكات المشتركة، خاصة في تطوير المعرفة وزيادة توطين الصناعة الدفاعية. ومع ذلك، يجب على صانعي السياسة الأمريكيين زيادة مستوى المشاركة مع المملكة لدعم شريك استراتيجي قادر على تعزيز الاستقرار المطلوب في منطقة مضطربة.