سارة عليّان- موقع الناشر-
خمس سنوات ونصف مضت على تسلم محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية، شهدت خلالها البلاد تغيرات وتبدلات لم يسبق أن حدثت في تاريخها، متناولة كل شؤونها وسياساتها وحتى مبادئها وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
معالم هذه السياسة الجديدة لابن سلمان ظهرت منذ الفترات الأولى لتسلمه المنصب، وبدأت مع الوقت تأخذ حيزًا أوسع وأكبر، حتى باتت اليوم أكثر وضوحًا وخبثًا، وهي وإن تعددت وجوهها ومعالمها وأشكالها وميادينها، فهدفها منذ اللحظات الأولى واضح وصريح، وهو كسب رضى الداخل السعودي والطرف الأميركي والغربي كخطة أساسية ومصيرية في سبيل وصوله إلى المنصب الأعلى في المملكة وتتويجه ملكًا.
آخر صيحات التغيير.. عزل الدين وبث الفتنة
لم يترك ابن سلمان سبيلًا لتغيير الوجه المعروف للمملكة في عهد أسلافه، إلا وحاول استغلاله وعبوره، مهما بلغ الثمن المادي والمعنوي وحتى الديني والأخلاقي.
آخر معالم ذلك، كان إعلان السعودية عن إنتاج مسلسل جديد يتناول شخصية “معاوية بن أبي سفيان”، سيعرض خلال شهر رمضان المبارك على قناة MBC السعودية، هذه الشخصية التي لطالما كانت سببًا في إحداث شرخ وفتنة بين المسلمين ولا زالت، وبالتالي فإن تناولها في حدث درامي كهذا، ما هو إلا إشارة إلى إعادة إثارة نعرات الفتنة من جديد، رغم كل مواقف النقد والاعتراض والامتعاض التي واجهها هذه العمل قبل عرضه حتى.
وفي هذا السياق أيضًا، يأتي مؤخرًا مشروع ابن سلمان الذي أطلقه في الرياض، والذي يشبه إلى حد بعيد “الكعبة الشريفة”، وكان ولي العهد السعودي قد أعلن عن إطلاق شركة تطوير المربع الجديد الهادفة لتطوير أكبر “داون تاون” في الرياض.
ووفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن ” المشروع سيدعم الناتج المحلي غير النفطي بما يصل إلى 180 مليار ريال (48 مليار دولار)، واستحداث 334 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة”، إلا أن ذلك لا ينفي النوايا والغايات المبطنة لابن سلمان من إقامة مشروع بمليارات الدولارات كهذا وبتصميم شبيه جدًا بتصميم الكعبة الشريفة، وتجدر الإشارة الى أنه وما أن تم الإعلان عن المشروع حتى تدفقت تغريدات غاضبة من تشابه تصميم المشروع مع شكل “الكعبة الشريفة”، وقال مغردون غاضبون إن ابن سلمان “يسعى لبناء كعبة جديدة”.
هذه الخطوات جميعها بما سبقها وما سيأتي بعدها، تأتي في إطار تلميع صورة السعودية أمام الأمة والمجتمع الدولي لا سيما الأميركي، في خطوة أساسية ضمن مشروع وصول ابن سلمان إلى مبتغاه، ومحاولات إثارة التفرقة والفتنة بأي وسيلة ممكنة ما هي إلا أدوات فعالة جدًا قادرة على خدمة الهدف بفعالية كبيرة.
هل بلغ ابن سلمان رضى الأميركي؟
سعى ابن سلمان ولا زال، في كل ما قام به على امتداد السنوات الخمس، إلى تغيير الصورة النمطية للمملكة بالدرجة الأولى، وإبعادها عن “الصورة الوهابية” الملازمة لها منذ نشأتها، لا لشيء سوى لمحاولة كسب قناعة ورضى الشعب السعودي لا سيما الشباب منهم، وإبراز نفسه أنه المغيّر القادر على كسر حواجز التدين والتشدد وفصل حياة المملكة وشؤونها عن الدين، تحت مسمى “الانفتاح والتحضر”.
لم يكن ما ذكر هو الهدف الأساسي الأوحد لابن سلمان، فكسب رضى الأميركي ومعه المجتمع الغربي، يأتي في رأس أولوياته، والعمل على تمتين العلاقة القائمة معهم هي أبرز طموحات ابن سلمان، لأنها تصب في نهاية المطاف في مصلحة الهدف الأول وهو لقب “الملك”، فأي منصب أعلى سيبلغه ابن سلمان دون كسب موافقة ومباركة سيده الأعلى؟
من الواضح أن “مباركة الأميركيين” لسياسات ابن سلمان هي بين مد وجزر، والأمور تبدو أكثر وضوحًا في نمط العلاقات القائمة بين الطرفين، والتصريحات الصادرة عن كل منهما، إلا أن المعطيات تشير أخيرًا إلى تجاوب من قبلهما، يظهر على سبيل المثال في قيام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالضغط على مموّلين في مجلس صندوق الاستثمارات بشأن تمويل مشاريع، بما في ذلك صفقة مع جاريد كوشنر، تصبّ في نهاية المطاف لصالح شركات إسرائيلية، وقبل ذلك اعتراف واشنطن بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لديه حصانة قانونية من الملاحقة في قضية مقتل جمال خاشقجي.
هذه المعطيات رغم تأثيرها على مجرى العلاقات بين الدولتين، إلى أنها لا تعتبر حاسمة أبدًا في تحديد مستقبل ابن سلمان، ومدى متانة العلاقة بينه وبين سيدته أميركا، إلا أنهما في نهاية الأمر وجهان لعملة واحدة، أساسها الشيطنة، والخراب والإجرام والدمار، وإن تعددت السياسات المنوطة بكل منهما، إلا أن هدفها واحد، والفرق الوحيد هنا، أن أحدهم هو العقل الإجرامي المدبر، والآخر هو أداة الجريمة..