أشرف كمال - الخليج أونلاين-
يقول خبراء إن مضي المملكة العربية السعودية باتجاه تعديل اشتراطات تملك الأجانب للعقارات على أراضيها يستهدف تنويع مصادر الدخل بالدرجة الأولى من خلال فتح القطاعات التي ظلت لسنوات مغلقة بوجه الأجانب.
فقد كشف الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار، عبد الله الحماد، (26 مارس 2023)، عن قرب إقرار نظام جديد يسمح للأجانب بتملك للعقارات في المملكة، وهو أشمل من النظام المعمول به.
سيسمح النظام الجديد -بحسب المسؤول السعودي- بتملك الأجانب للعقارات بأنواعها كافة؛ التجارية والسكنية والزراعية، في جميع أنحاء المملكة وفق شروط.
تخفيف القيود
خلال السنوات السابقة، كانت المملكة تفرض قيوداً شديدة على تملك الأجانب للعقارات، وخصوصاً في مكة المكرمة والمدينة المنورة، لكنها أدخلت عدداً من التسهيلات مؤخراً ضمن خططها لتنويع الاقتصاد وجذب المستثمرين.
غير أن هذه التعديلات التي جرت خلال الفترة الماضية أظهرت بعض الجوانب والممارسات السلبية، وهو ما تعمل الحكومة على تصحيحه في القانون المرتقب.
يمثل قطاع العقارات جزءاً من خطة المملكة طويلة الأمد لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط (مصدر الدخل الرئيسي)، وقد أقرت مشروعات عقارية بأكثر من تريليون دولار ضمن رؤية 2030.
وتخطط الحكومة لبناء أكثر من 4 ملايين وحدة سكنية ومنزل في مختلف أنحاء المملكة بحلول 2030، وتقوم مجموعة كبيرة من المشروعات على الاستدامة والرفاهية وصداقة البيئة.
أواخر 2021، سمحت الحكومة السعودية بتملك الأجانب للعقارات في مكة والمدينة عبر صناديق استثمارية تستثمر جزءاً من أصولها أو كلها في المدينتين.
وحتى الآن، تمنع السعودية تملّك الأجانب لعقارات في مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل مباشر، لكن القانون الجديد سيتناول هذا الأمر بحسب ما كشفه الحماد.
جذب الاستثمارات
تقول الحكومة السعودية إن هذه التعديلات التي تستهدف تسهيل تملك الأجانب للعقارات ترمي بالأساس لجذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز دور القطاع في خطة تنويع الاقتصاد التي أعلنت في 2016.
ولا يجوز بأي طريق غير الميراث اكتساب حق التملك أو الانتفاع أو الارتفاق على عقار واقع داخل حدود الحرمين الشريفين، وذلك بالنسبة للأشخاص المحظور عليهم دخولهما، وتحدد اللائحة الأحكام اللازمة لذلك.
كان التعديل الذي أجرته المملكة على قانون تملك الأجانب للعقارات بديلاً للقانون الصادر سنة 1970. ومع وجود مشاريع بمليارات الدولارات تتعلق برؤية 2030، فمن المتوقع أن يشهد قطاع العقارات في المملكة طفرة قياسية، برأي خبراء.
مرونة من أجل الاقتصاد
الخبير الاقتصادي، نمر أبو كف، يرى أن هذا التحرك السعودي تجاه تسهيل تملك العقارات للأجانب ليس جديداً، وأنه يهدف أساساً لجذب الاستثمارات الأجنبية مع مشروعات تقترب من 12.5 تريليون دولار، تمثل العقارات 20% منها تقريباً.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال أبو كف إن المملكة تحاول أيضاً الاستفادة من مساحتها الكبيرة وأيضاً تقليل الخلافات التي تحدث بين السعوديين والأجانب بسبب نظام التملك من الباطن السائد للتحايل على حظر تملك الأجانب للعقارات.
ويرى المحلل الاقتصادي أنه ربما تكون المملكة عازمة على تخفيف حظر تملك الأجانب للعقارات في مكة والمدينة المحظورتين على الأجانب وعلى غير المسلمين تحديداً، مشيراً إلى أن التملك في هاتين المدينتين المقدستين سيكون وفق شروط خاصة وبموافقات من رئيس الوزراء لا الوزير.
وخلص أبو كف إلى أن الموضوع يبدو استثمارياً بالدرجة الأولى، وهو يكشف عن مرونة كبيرة تبديها الحكومة في هذا الأمر من أجل الدفع قدماً بخطط تنويع الاقتصاد.
نمو كبير متوقع
يرى الخبراء أن قطاع العقارات في السعودية ينتظر نمواً قياسياً بالنظر إلى رغبة الكثير من المستثمرين الأجانب في أن يكونوا جزءاً من التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد.
تساهم المشاريع التي تمولها الحكومة مثل "روشن"، المطور العقاري الرائد في المملكة، والمدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، في تلبية الطلب على زيادة ملكية المنازل، وخصوصاً المستدامة منها، في جميع أنحاء المملكة.
في نوفمبر 2022، شهدت سوق العقارات السكنية السعودية ارتفاعاً بنسبة 6% في القيمة الإجمالية للمعاملات، وفقاً لشركة "نايت فرانك" للاستشارات العقارية ومقرها لندن.
وفي 25 فبراير الماضي، نقل موقع "عرب بيزنس" السعودي عن فيصل دوراني، رئيس أبحاث الشرق الأوسط، في "نايت فرانك"، أن أحجام الصفقات في ارتفاع وهي تزيد بنسبة 6% مقارنة بالعام الماضي، مما يسلط الضوء على وتيرة نمو أسعار المنازل في جميع أنحاء المملكة.
ويوجد حالياً حوالي 15 مشروعاً جديداً في مراحل بناء مختلفة في أنحاء المملكة، والعديد منها عبارة عن حواضر قائمة بذاتها. وتشمل هذه المشاريع "نيوم"، أكبر مشروع ضخم تم الإعلان عنه حتى الآن، والذي يستهدف إسكان 9 ملايين في نحو 300 ألف منزل جديد.
وتم تخصيص 7.5 مليار دولار فقط من المشاريع الفرعية حتى الآن، حيث بلغ تقدم البناء في هذه الشريحة من المشاريع 29%، بحسب دوراني.
إقبال كبير
وسبق أن قال عبد العزيز بن يوسف، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة "فاي" لإدارة الممتلكات، ومقرها الرياض: "كان هناك نمو هائل في السوق السكنية"، مضيفاً: "لقد شهدنا طلباً هائلاً على العقارات السكنية وكان النمو هائلاً على مدار السنوات العشر الماضية، لا سيما مع إدخال الرهون العقارية ونمو عدد السكان السعوديين".
في ورقة عام 2021 بعنوان "ديناميكيات السوق السكنية في الرياض وجدة والدمام والخبر"، توقعت شركة "كوليرز" العقارية العالمية أن ينمو عدد الأسر في هذه المدن السعودية الكبرى من 2.31 مليون في عام 2020 إلى ما يقرب من 2.88 مليون بحلول عام 2030.
مع زيادة الأنشطة التجارية في العاصمة السعودية وإنشاء مقار إقليمية للشركات الأجنبية، سوف يتضخم عدد سكان الرياض بشكل طبيعي حيث يهاجر الناس من جميع أنحاء المملكة بحثاً عن أماكن أكثر خضرة.
ووفق التقديرات الرسمية، سينمو عدد السكان من 6.8 ملايين إلى 15-20 مليوناً بحلول عام 2030، وهو ما يعني زيادة الطلب على أماكن العمل والوحدات السكنية.
يعتبر الاستثمار الأجنبي أيضاً محركاً مهماً في صعود سوق العقارات السعودية، ووفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ" الشهر الماضي، فإن شركة "هولدينغ إنفستكورب"، ومقرها البحرين، تعتزم استثمار نحو مليار دولار في سوق العقارات بالمملكة على مدى السنوات الخمس المقبلة للاستفادة من "الطفرة العقارية المتوقعة".
وفي دراسة استقصائية حديثة شملت ألف أسرة في أنحاء المملكة، أجرتها "نايت فرانك"، برزت "نيوم" بوصفها المكان الأكثر شعبية حيث يرغب الناس في امتلاك منزل، يليه مشروع البحر الأحمر والدرعية.
كما أن جيزان السعودية أيضاً تشهد توسعاً سريعاً في سوق العقارات، وستضيف بوابة الدرعية، التي تبلغ تكلفتها 20 مليار دولار في منطقة الرياض، 20 ألف منزل بحلول 2027.
وشهدت المملكة ارتفاعاً في الأسعار، حيث زاد متوسط قيمة الشقق في العاصمة الرياض بنسبة 30% خلال العام الماضي، كما ارتفعت الفلل بنسبة 20%.
وفقًا لشركة "نايت فرانك"، من المتوقع أن يكون بالمملكة أكثر من 555 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 275 ألف مفتاح فندقي، وأكثر من 4.3 ملايين متر مربع من مساحات التجزئة، وأكثر من 6.1 ملايين متر مربع من المساحات المكتبية الجديدة بحلول عام 2030، وهو ما يجعلها أكبر موقع بناء شهده العالم على الإطلاق.