كاثرين شاير - DW- عربية-
قبل خمس سنوات، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن "الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق 100 بالمائة".
وأمام منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" عام 2018، قال محمد بن سلمان "ستكون النهضة القادمة في العالم في الثلاثين سنة القادمة في الشرق الأوسط إن شاء الله. هذه حرب السعوديين. وهذه حربي التي أخوضها شخصيا ولا أريد أن أفارق الحياة إلا وأرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم".
ويمكن اعتبار ذلك جزءا من الترويج لـ "رؤية 2030" وهي خطة طموحة تضم إصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2016 في إطار جهوده الرامية إلى جعل السعودية أكثر حداثة وتقليل اعتمادها على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد، إضافة إلى جعلها بيئة قادرة على استقطاب السياحة والأعمال التجارية.
وانطلقت فعاليات "مبادرة مستقبل الاستثمار" في نسختها السابعة في الفترة من 24 إلى 26 أكتوبر/ تشرين الأول في العاصمة السعودية الرياض، لكن الحدث الذي يُطلق عليه "دافوس الصحراء" تزامن مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس ما أثار تساؤلات فيما إذا كانت الصراع يلقى بظلاله على "رؤية 2030"؟
وقال منظمو المنتدى إنه رغم استمرار الصراع، إلا أنه لم يلغِ سوى عدد قليل من الحضور مشاركتهم في الحدث الذي جذب كوكبة من أكبر رجال الأعمال والاستثمار في العالم ورؤساء أكبر صناديق الاستثمار وكبرى البنوك مثل "بلاك روك" و "بلاكستون" و "سيتي غروب" و "جولدمان ساكس" و "جي بي مورغان تشيس".
ويبدو أن الحرب لم تؤثر سلبا على إبرام الصفقات التجارية خلال الحدث فيما كان أبرزها الإعلان عن اتفاقية بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي – صندوق سيادي مملوك للدولة - وشركة هيونداي الكورية الجنوبية بهدف إنشاء مصنع عالي الأتمتة لتصنيع السيارات في السعودية بقيمة 500 مليون دولار (470 مليون يورو).
لحرب "تطغى على كل شيء آخر"
بدورها، ترى كارين يونغ، الباحثة البارزة في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، أنه من المنطقي تواجد هذا العدد من رجال الأعمال "في المنتدى، رغم ما يحدث في غزة".
وفي مقابلة مع DW، أضافت بأن "المستثمرين بذلوا الكثير لحضور المنتدى وهم ينظرون إلى السعودية وصندوق الاستثمارات العامة كمصدر رئيسي للاستثمار والفرص. هناك ببساطة اهتمام بمحاولة فهم كيف يمكن لدول الخليج وصناديقها السيادية المضي قدما في العمل في ظل الأزمة الراهنة".
ورغم ذلك، لم يكن من الممكن ألا تطغى الحرب بين حماس وإسرائيل على فعاليات المنتدى إذ نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح قوله إن ما يجري حاليا في غزة "يلقي بظلاله على كل شيء آخر، لكن من أجل مصلحتهم ومن أجل صالح الإنسانية، يجب إبقاء البوصلة مركزة على رخاء شعبنا".
وقالت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لمجموعة "سيتي غروب"، إن التفاؤل سيكون أمرا صعبا في ظل الظروف الراهنة، فيما أشار لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، إلى أن الصراع في أوكرانيا وغزة سيفاقم أزمة انعدام الأمن المجتمعي ما سيؤدي إلى تزايد الشعور بفقدان الأمل ما سيؤثر سلبا على معنويات المستهلكين ويؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
ويقول خبراء إن أخطر التداعيات الاقتصادية للصراع بين حماس وإسرائيل سوف تتعلق على المدى القصير بإمدادات النفط والغاز وأسعار الطاقة، فيما يكمن أسوأ السيناريوهات في ارتفاع أسعار النفط إلى ما يصل إلى 150 دولارا للبرميل وذلك في حالة اندلاع مواجهة إقليمية خارج حدود إسرائيل وغزة، وفقا لتحليل قامت به بلومبرغ قبل أيام.
وحذر التحليل من أن هذا السيناريو سوف يؤدي إلى مزيد من التضخم وتباطؤ في النمو الاقتصادي في الكثير من دول العالم. الجدير بالذكر أن سعر النفط حاليا يقف عند مستوى 90 دولارا للبرميل. وكشف تحليل بلومبرغ عن أن المخاطر الأخرى الأكثر إلحاحا مع استمرار الصراع بين حماس وإسرائيل سوف تتمثل في زيادة أعداد اللاجئين وضعف تدفق السياح إلى الدول التي تعتمد على السياحة.
التأثير على الممر التجاري المرتقب من الهند إلى أوروبا؟
ويرجح خبراء أن يؤثر الصراع - في حال طال أمده واتسع إقليميا – على مشروع طموح يكلف مليارات الدولارات ويرمي إلى إنشاء الممر الاقتصادي الجديد بين الهند والخليج وأوروبا.
وسوف يتضمن الممر الاقتصادي، بحسب قادة العشرين، إنشاء خطوط للسكك الحديدية، فضلاً عن ربط الموانئ البحرية وجوانب أخرى. وتتوقع الولايات المتحدة أن يساهم الممر في تنشيط التنمية الاقتصادية من خلال تحسين الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا. ويتألف الممر من ممرين منفصلين؛ إذ يربط الممر الشرقي الهند بالخليج العربي، فيما سوف يربط الممر الشمالي الخليج بأوروبا.
ووقعت الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وإسرائيل وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم للعمل على تطوير الممر الاقتصادي الجديد. ولم يكن توقيع مثل هذه الاتفاقية ممكنا في الماضي نظرا لغياب أي تقارب بين إسرائيل والسعودية، لكن الأمر تغير خلال السنوات الأخيرة حيث بدا أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل أصبح أقرب فيما يتماشى التطبيع مع إسرائيل مع خطط السعودية المستقبلية للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة وإبرام اتفاق أمني مع الولايات المتحدة وامتلاك برنامج نووي سلمي.
ومن المتوقع أن يسهم الممر في توثيق التعاون بين السعودية وإسرائيل حيث تعهدت الرياض بإنفاق 20 مليار دولار (19 مليار يورو) على الإنشاء. وفي مقابلة مع DW، قال مايكل تانشوم، زميل بارز في المعهد النمساوي للسياسة الأمنية الأوروبية، إن "التدفق الفعال للسلع ورؤوس الأموال عبر غرب المحيط الهندي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط سيكون عاملا يساهم في تغيير اللعبة الجيوسياسية بما يمكن أن يشمل دولا أخرى في المستقبل".
لكن بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبدء إسرائيل في استهداف قطاع غزة، خرج مسؤول سعوديّ مطلع على مفاوضات التطبيع ليقول إن "السعودية قررت تعليق المحادثات حول التطبيع المحتمل (مع إسرائيل) وأبلغت ذلك للمسؤولين الأمريكيين" الذين يقومون برعاية المباحثات.
ويذكر أن حركة حماس مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
براغماتية السعودية
ويعتقد مراقبون أن موجة العنف الجديد تتعارض مع رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لشرق أوسط مستقر ومزدهر خاصة بعد عودة العلاقات مع تركيا وإيران وتزايد الحديث عن قرب التطبيع مع إسرائيل. وسبق أن أكد ولي العهد السعودي بأن الاستقرار الإقليمي ضروري لتحقيق رؤية 2030.
من جانبها، شددت يونغ على أن "الحرب تشكل تهديدا لرؤية (محمد بن سلمان) لشرق أوسط جديد يكون مركزا للاستثمارات الخارجية والسياحة والتجارة المتكاملة". وأشارت إلى أنه رغم تعليق مفاوضات التطبيع بين الرياض وتل أبيب بسبب الصراع في غزة، إلا أن الأمر لا يعني أن قطار التطبيع قد توقف، مضيفة "مازال لدى إسرائيل والسعودية مصالح مشتركة، خاصة في اعتبار إيران مصدر تهديد."
وخلال فعاليات منتدى مستقبل الاستثمار، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن بلاده لا تريد أن يعرقل الصراع بين حماس وإسرائيل الخطط السعودية.
وفي تعليقها، قالت ياسمين فاروق، الباحثة غير المقيمة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي لأبحاث الشرق الأوسط، إن "القيادة السعودية تدرك أن القضية الفلسطينية لا تزال تؤثر على نفوذها المحلي والدولي وحتى في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة وتنافسها مع دول إسلامية أخرى".
وفي مقال نُشر في وقت سابق، قالت ياسمين إنه من المرجح أن تتحلى السعودية ببراغامتية أكثر وتميل صوب دعم أي إجماع إقليمي، مضيفة بأن "حدوث اضطرابات إقليمية تعرقل مشاريعها العملاقة وخططها التنموية ضمن رؤية 2030.. هو آخر شيء تريده السعودية".