(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
في مقال، نشرته "بلومبرغ" بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر بعنوان "السعودية تعلن للمرة الأولى أن بعض مشاريع العام 2030 قد تأخرت"، قال وزير المالية "محمد الجدعان" للصحفيين إنّ: "التأخير أو بالأحرى تمديد مهلة بعض المشاريع سيخدم الاقتصاد". وفي وصفه لكيفيّة مراجعة جميع الخطط بناءً على "العوائد الاقتصادية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالتوظيف ونوعية الحياة من بين عوامل أخرى". كما أشار إلى أنّ بعض المشاريع "يجري تسريعها وبعضها الآخر - هي إلى حدّ كبير مشاريع قيد التنفيذ لمّا يُعلن عنها بعد - تُمنح إطار زمني أطول للتنفيذ".
استرشد "سايمون هندرسون"، وهو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن والمتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية في الخليج، بذلك التقرير، ليدلل على تحليله بأنّه كلما انخفضت أسعار النفط تزايدت التكهنات بشأن التقدم المحرز في "رؤية السعودية 2030". إذ قال إنّ: "رؤية السعودية 2030" هي الخطة الطموحة للمملكة لتحديث اقتصادها وتنويعه بعيدًا عن النفط - ولكن من المفارقات أنّ السعودية تحتاج إلى عائدات النفط أكثر من ذي قبل.
وعلق "هندرسون" على تصريحات وزير المالية السعودي بالقول إنّه، وبالرغم من أنّ "الجدعان" لم يذكر أسعار النفط، إلا أنّ هذه الأرقام تشكّل عاملًا حاسمًا في جميع المواضيع التي ناقشها، ويُعتقد أن المملكة تحتاج إلى سعر خام لا يقل عن 80 دولارًا للبرميل الواحد من أجل تمويل "رؤية السعودية 2030"، ويمكن القول إنّها تحتاج حاليًا إلى سعر أعلى من ذلك بعد أن خفضت الإنتاج في محاولة للحفاظ على ارتفاع الأسعار.
ومن خلال التقارير، وفي تشرين الأول/أكتوبر، قدّر "صندوق النقد الدولي" أنّ الرياض ستحتاج إلى سعر 86 دولارًا للبرميل الواحد لتحقيق التوازن في ميزانيتها، وفي 13 كانون الأول/ديسمبر، أغلق السعر الفوري لخام "برنت" المتداول على نطاق واسع ما دون 75 دولارًا للبرميل، في حين كان تداول خام "غرب تكساس" المنتج في الولايات المتحدة أقل من السعر المهم من الناحية المعنوية البالغ 70 دولارًا.
هذا يعيدنا إلى تقارير دولية سابقة تعود للعام 2019، حين قالت الكاتبة "جوليان جيجر"، في تقرير نشره موقع "أويل برايس" الأميركي، إنّ رؤية 2030 تعدّ ظاهريًا خطة طموحة لوليّ العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي يهدف من خلالها إلى تحديث المملكة وتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
ولكن هذا الأمر يطرح العديد من التساؤلات؛ لأنّ النفط والغاز يمثلان 50% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، و70% من عائدات التصدير. كما تستحوذ المملكة على 18% من احتياطيات النفط في العالم، وذلك وفقًا لمنظمة أوبك.
وفي الواقع، لطالما استخدمت السعودية طفرات النفط لصالح خطط التنمية الاقتصادية المصممة للتخلص من تبعية اقتصادها للنفط. فقد ذكرت الكاتبة أنّ السعودية تمتلك ما لا يقل عن تسع خطط تنموية خماسية يعود تاريخها إلى العام 1970، وكل منها مصممة للهدف نفسه المتمثل في تنويع اقتصاد البلاد بعيدًا عن النفط. وأضافت الكاتبة أنّ النجاح الحقيقي لا يمكن قياسه بمجرد وعود. وتشير الأدلة إلى وجود العديد من التحديات التي ستواجهها المملكة في طريقها نحو تحقيق رؤية 2030.
في الواقع، ما تزال السعودية تقوم باستثمارات ضخمة في قطاع النفط. وفي أغسطس/آب 2019 عبّرت أرامكو عن رغبتها في شراء 20% من أنشطة التكرير والبتروكيماويات الخاصة بشركة "ريلاينس إندستريز" بقيمة 15 مليار دولار. ومن جهتها، ستشتري ريلاينس 500 ألف برميل من النفط الخام من أرامكو يوميًا. وتتضمن رؤية 2030 خطة لدمج الهند بصفتها شريكًا إستراتيجيًا، لكنّ رغبتها في القيام بذلك في مجال البتروكيماويات يبعدها عن هدفها.
وأشارت الكاتبة إلى أنّ السعودية تمتلك خططًا ضخمة لتمويل رؤية 2030 من خلال عائدات طرح 5% من أسهم شركة أرامكو، لكن هذه الخطة التي ستكون أكبر طرح عام أولي على الإطلاق، شهدت العديد من التأخيرات. فطوال السنوات الثلاث الماضية شهدت الرؤية تجاذبات بين تقييم فرص نجاحها، إلّا أنّ الواقع يقول ومنذ ايام قليلة، إنّ السعودية قد أجلّت بعض المشاريع التي أطلقتها جزءًا من خطتها للتحول الاقتصادي إلى ما بعد العام 2030، في أول تغيير للجدول الزمني لتحقيق أهداف البرنامج الذي تبلغ قيمته عدة تريليونات من الدولارات. وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها المملكة بتغيير في الجدول الزمني لتحقيق أهداف رؤية 2030.
فقد قال وزير المالية محمد الجدعان لـ"بلومبرغ"، إن الحكومة، والتي تتوقع عجز الميزانية كل عام حتى العام 2026، قررت التمديد بهدف بناء القدرات وتجنّب الضغوط التضخمية الضخمة واختناقات العرض.
وفي الحين الذي لم يُكشف عن أسماء المشاريع المحددة؛ نقلت وكالة الأنباء عن الجدعان القول إنّ هناك حاجة إلى مدة أطول "لبناء المصانع وبناء الموارد البشرية الكافية". كما أفاد الجدعان بأنّه يمكن توسيع بعض المشاريع لمدة ثلاث سنوات - لذلك نحن في العام 2033 - سيتأخر بعضها حتى العام 2035، وسيتأجل بعضها حتى أبعد من ذلك وسيرشد بعضها الآخر.
في المقلب الآخر؛ ذكرت وكالة الأنباء السعودية أنّ المملكة العربية وافقت على ميزانيتها العامة للعام 2024، والتي تتوقع عجزًا ماليًا قدره 79 مليار ريال (21.07 مليار دولار) في العام المقبل. وقدرت المملكة إجمالي الإيرادات بنحو 1.172 تريليون ريال سعودي في العام 2024، بينما من المتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق إلى 1.251 تريليون ريال سعودي. وذكر صندوق النقد الدولي، في أكتوبر الماضي، أنّ السعودية ستحتاج إلى سعر قريب من 86 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها وهو سعر أعلى من متوسطه هذا العام.
وهناك جانب يتغلق بنقل الشركات إلى السعودية بدلًا من دولة الإمارات، حيث يجمع مراقبون على أنّ رؤية 2030 التي يروجّ لها منذ سنوات وليّ العهد محمد بن سلمان تراكم الفشل وسط عجز عن جذب الاستثمارات الخارجية. ويبرز المراقبون عجز رؤية 2030 عن استقطاب الشركات الأجنبية ونقل مقراتها للمملكة، كما وعدت بذلك وروّجت إعلاميًا لاتخاذ إجراءات من أجل تحقيق الهدف. ففي بداية العام 2021، ومن ضمن مسار خطة "محمد بن سلمان" لاستقطاب الاستثمارات الخارجية، أصدرت المملكة قرارًا صارمًا بتوقف التعامل مع أي شركة أجنبية تقيم مكاتب إقليمية لها خارج المملكة، بدءًا من العام 2024.
وعوّل نظام "محمد بن سلمان" على ثقل المملكة الاقتصادي والديموغرافي، وأطلق مع القرار بعض التسهيلات التي ظنّ أنها سترغّب الشركات. ولكن العام 2022 كان العام الأول لتطبيق التجربة وتقييم جزء من نتائجها، إلا أنّ الفشل الذي رافق معظم سياسات وليّ العهد ومشاريعه وخططه كان حاضرًا هذه المرة أيضًا، لتأتي الأرقام والنتائج معاكسة تمامًا.
وفي العام 2023، والذي يوشك على الانتهاء وتنتهي معه المهلة السعودية للشركات، أفادت وزارة الاستثمار السعودية بأنّ الموعد النهائي لنقل المقرات الإقليميّة للشركات متعدّدة الجنسيات إلى العاصمة الرياض ما يزال في الأول من يناير/كانون الثاني 2024، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها. فقد نقلت عن كريستيان أولريخسن -الباحث في معهد "بايكر" للسياسات العامة التابع لجامعة "رايس" الأميركية- قوله إنّ البرنامج "اختبار مبكر لمدى استعداد الشركات الأجنبية للامتثال للمبادرات السعودية والمشاركة فيها، أو إذا ما كانت ستسعى إلى حلول بديلة تجعلها تحتفظ بأغلبية الموظفين في الإمارات العربية المتحدة، وتنتدب عددًا قليلاً منهم إلى السعودية".
فهل سيكون العام الجديد عامًا من الصراع السعودي- الإماراتي بسبب تهديد رؤية 2030، والتي وضعت السعودية بها كل ثقلها لسمعة المملكة ووليّ عهدها الذي يستعدّ لتسلّم العرش بين لحظة وأخرى؟.