ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

الأزمة المالية تضرب أبواب المملكة..!

في 2024/08/12

(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)

"نتعلّم من التاريخ أنّ أحدًا لا يتعلّم من التاريخ".. الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل.

ليس من قبيل المزايدة أو العسف القطع، بثقة واطمئنان، إلى أن السعودية خسرت حربًا لم تخضها على الإطلاق، وأفلتت فرصة ذهبية نادرة حين بخلت ونزفت في سنوات عديدة، ترددًا ومماطلةً؛ في قرار إستراتيجي بالانضمام إلى مجموعة "بريكس" الاقتصادية، فانتهت الآن الفرصة. ذلك أنّ الحقائق والأوضاع الاقتصادية لا تنتظر أحدًا، إنّما هي باستمرار تشق لنفسها السبل والطرائق، بصرف النظر عن الأحلام والتوقعات والأمنيات، فضلًا عن أنصاف المواقف والسياسات المائعة.

منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، يعرف أي مهتم بالشأن الاقتصادي يقينًا أن تلك الأزمة لم تعالج أو تدفن بشكل صحيح، ولم تُستأصل بطريقة نهائية، وأنها ستعود وتطل برأسها القبيح بعد سنوات قليلة. الفكرة هنا هو أن السياسات الأميركية النيوليبرالية في الاقتصاد والعولمة وفتح الحدود قد ثبت سقوطها، منذ زمن، والاقتصاد الأميركي وقع في فخ أزمات عديدة مركبة، مالية واقتصادية وتشريعية، وكان العلاج يدور حول أي شيء سوى المساس بالمكانة الأميركية بصفتها قوى عظمى مهيمنة. وكان الحل الوحيد هو التسكين بالأدوات المالية وطباعة النقود المفرطة والتمويل المكثف خلال العجز، وفي نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي 2024، تجاوزت الديون الأميركية كل مستوياتها التاريخية السابقة، ووصلت إلى عتبة 35 تريليون دولار، ولتبيان ضخامة الرقم؛ نرى أنّه يمثل 122.5% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي كله.

الاقتصاد الأميركي قادر، حتى في لحظات سقوطه، أن يدفع بالعالم إلى حافة فوضى مروّعة ومدمرة، أولًا بسبب حجمه الأضخم، ثم بسبب نصيبه الأكبر في التجارة الدولية، ثم بسبب أن الدولار هو عملة المبادلات العالمية الأولى، وعملة الاحتياطيات الدولية الأهم. إذ إنّ دول العالم تحتفظ بأكثر من نصف احتياطيات بنوكها المركزية (55%) بعملة الدولار، فتاليًا؛ سقوط أميركي سيعني طوفانًا مدمرًا للجميع، إذ لا توجد بدائل حاضرة قادرة على ملء المساحة الفارغة اليوم.
الولايات المتحدة تئنّ تحت أزمة ديون، تتبعها أزمة فوائد ضخمة، حيث تخصص أكثر من 15% من نفقاتها السنوية لخدمة الديون وحدها. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر في أي حساب عقلي أو منطقي. والمؤرخ المرموق نيال فيرغسون صرخ أخيرًا بأنك "قانون القوى العظمى عبر التاريخ ينص على أن أي قوة عظمى تنفق على أقساط الديون أكثر ممّا تنفق على الدفاع لن تظل عظيمة لمدة طويلة"، مضيفًا أن: "القصة ذاتها تكررت مع الإمبراطورية الإسبانية والنظام القديم في فرنسا والإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية"، وهو يراه الآن في الولايات المتحدة.

لذلكح لم يكن غريبًا أن يؤدي تقرير أميركي عن نسب البطالة المرتفعة، وما تعنيه من فرص أكثر للسقوط في فخ "الركود" المرعب، سوى إلى إثارة الذعر في العالم. هذا؛ وتتلوها سلسلة من انهيارات البورصات في أوروبا وجنوب شرق آسيا، وحتى في الخليج. والشاهد المفزع هنا الانخفاضات السريعة في بورصات العالم كلها، مثل انهيار البورصة اليابانية بنسبة 20% خلال 3 أيام من التداول، وكما نعرف الاقتصاد الياباني ضخمًا ومهمًا ومؤثرً، وما يحدث فيه بالتأكيد سينتج وحده سلسلة من ردود الفعل السلبية في الأسواق العالمية.

لكن ما الذي ينتظر المملكة مع هذه العاصفة الجديدة؟

يمكن هنا الإشارة إلى الأزمة المالية العالمية في 2008، ونتائجها المباشرة والتي ما تزال عالقة بمرارة في الأذهان، حيث أدى انهيار سوق الرهن العقاري الأميركي إلى موجة من إفلاس البنوك وشركات التأمين. وجاءت الآثار المباشرة على الاقتصاديات العربية عمومًا ممثلة في هروب الاستثمارات الأجنبية من الأسواق العربية نتيجة لما أصابها من خسائر في الدول الأم. موجة الهروب هذه تبعها انفجار نفسي تمثل بفقدان الثقة في الأسواق المالية عمومًا، وهو أثر هائل في ظل عولمة الاقتصاد وترابط القطاعات المالية في العديد من أسواق العالم. ويمكن إيجاز "كارثة 2008" في انهيار مؤشر صندوق النقد العربي، والذي يقيس أداء الأسواق المالية العربية مجتمعة، من 345 نقطة قبل الأزمة، إلى 188 نقطة في نهاية العام 2008، بالإضافة إلى الخسائر التقليدية التي ضربت الاستثمارات العربية في أسواق المال الغربية والأميركية خصوصًا.

الأكثر رعبًا وإثارة للقلق والتوتر هو أنّ الاقتصاديات العربية كلها لن تكون بمنأى عن المصيبة القادمة؛ فالدول النفطية مثل غيرها، والعالم لا يعرف في الأزمات والحروب سوى دولًا كبيرة ودولًا صغيرة. والدول العربية الصغيرة كلها ستستخدم كمصدات أمامية للخسائر المتوقعة للأسواق المالية العالمية، وسيدفع الجميع فاتورة ثمن الخطايا الأميركية، رضا أو إرغامًا، تمامًا كما وقع في العام 2008، خصوصًا مع غياب الكفاءة اللازمة في المملكة، وانعدام وجود إدارات للتحوط والتعامل مع الأزمات ومواجهة المخاطر المالية.. 

بكلمات أبسط، كُتب على المملكة أن تواجه العاصفة بمركب متهالك ومن دون قبطان!