ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

نظرة معمّقة في الصناعات العسكرية في السعودية

في 2024/12/16

صباح نعوش - البيت الخليجي للدراسات

لأسباب اقتصادية وسياسية اتجهت السعودية إلى تصنيع بعض المعدات العسكرية بدلاً من استيرادها. ورغم التقدم الذي أحرزته في السنوات الأخيرة لكن هذا التقدم لا يزال بعيداً عن طموحات رؤية 2030.

تقود الصناعة العسكرية إلى زيادة القيمة المضافة فترتفع معدلات النمو. ويترتب على ذلك تنويع مصادر الناتج المحلي الإجمالي، وهذا بحد ذاته، من أهم أهداف السياسات الاقتصادية لجميع دول الخليج.

في السعودية، قاد الإنتاج العسكري إلى تحسن الصناعات التحويلية من حيث حجمها وأهميتها النسبية. فقد انتقلت من 72 مليار دولار في 2012 أي 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 160 مليار دولار في 2022 أي 14.4% منه.

والصناعات مدنية كانت أم عسكرية تساعد على استغلال المواد الأولية المحلية. على سبيل المثال، تحتوي منطقة القصيم على احتياطي كبير من مادة البوكسيت (منجم البعيثة) التي تُستخدم لإنتاج الألمنيوم الضروري للصناعات المدنية والعسكرية. وتخلق الصناعة العسكرية أطراً وطنية متخصصة كما تؤدي إلى زيادة فرص العمل فيهبط معدل بطالة السعوديين الذي وصل في 2024 إلى 7.6%.

السعودية ثاني أكبر بلد مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند.وبلغ استيرادها نحو 8.4% من مجموع واردات المعدات العسكرية العالمية، وهذه نسبة عالية بمختلف المقاييس.

كما تسعى الرياض إلى الحصول على أحدث الأسلحة وما ينجم عن ذلك من صرف مبالغ طائلة. أصبحت السعودية من كبار المستوردين للأسلحة الأمريكية والفرنسية والبريطانية والإسبانية والكندية. بين 2019 و2023 استحوذت السعودية على 14% من صادرات الأسلحة الأمريكية. وترتفع النسبة لتصل إلى 37% من صادرات الأسلحة الكندية.

يقود التصنيع مقارنة بالاستيراد إلى انخفاض كلفة المعدات فيتقلص الانفاق العسكري الكلي ما يفضي إلى تراجع العجز المزمن لميزانية الدولة. لا شك أن هذا الإنفاق لم يهبط، بل ارتفع لكن التصنيع المحلي يحول دون ارتفاع أكبر.
ولا تتوقف أهمية الصناعة العسكرية على الجوانب الاقتصادية، بل تمتد لتشمل الجوانب السياسية من زاويتين على الأقل:

الزاوية الأولى أن المنطقة تشهد منذ عدة سنوات صراعات حادة، خاصة بعد أن أصبحت إيران قوة عسكرية كبيرة تسجل في المرتبة العالمية رقم 14 ولديها قدرات صاروخية عالية وإمكانات نووية. وتستطيع التأثير بقوة على العراق وسوريا ولبنان واليمن من جميع الجوانب بما فيها العسكرية.
والزاوية الثانية احتمال خضوع السعودية لعقوبات أمريكية وأوروبية تقود إلى تقليص قوتها الدفاعية. وهذا ما حدث في 2018.

الصناعة العسكرية تسهم في التصدي لهذه العوامل السياسية وتقود إلى تعزيز المكانة الدولية للرياض.

حسب موقع كلوبال فايرباور يعتبر الجيش السعودي ثاني أقوى جيش في العالم العربي بعد الجيش المصري وتسجل السعودية من حيث قدرتها العسكرية المرتبة العالمية 23.

ويعتمد هذا الترتيب على ثمانية مؤشرات وهي عدد العسكريين والقوة الجوية والقوة البحرية والقوة الأرضية ومالية الدولة والخدمات اللوجستية والموارد الطبيعية والعوامل الجغرافية. ويحتوي كل مؤشر على عدة فروع.

لدى السعودية 57 باخرة عسكرية تجعلها في المرتبة العالمية 50. وتملك 1485 دبابة أي في المرتبة العالمية 17. ولها 914 طائرة حربية وبذلك تحتل المرتبة العالمية رقم 12. وتبلغ نفقاتها العسكرية 75.8 مليار دولار أي في المرتبة العالمية الخامسة.

تسعى الرياض إلى تعزيز مكانتها العسكرية في المنطقة بعدة طرق في مقدمتها الاتفاقات الصناعية مع الشركات الأجنبية. وفيما يلي بعض الأمثلة:

• في فبراير 2024، أبرمت السعودية عقدًا مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، وهي أكبر شركة صناعية عسكرية في العالم، يتناول تصنيع أجزاء من صاروخ “ثاد” للدفاع الجوي.

• اتفاق مع شركة فيجياك ايرو الفرنسية في نهاية 2021 لإنتاج هياكل الطائرات.

• عقد مع شركة بايكار التركية في أغسطس 2023 يتعلق بطائرات مسيرة.

• عقد مع شركة ريثيون الأمريكية في ديسمبر 2019 يرتبط بنظام باتريوت للدفاع الجوي المضاد للصواريخ. واتفاقات أخرى معها حول صواريخ أرض-جو.

• عدة اتفاقات مع شركة بي أي إي سيستمز البريطانية التي تتعامل مع السعودية منذ ستة عقود. وتهتم بالطائرات والسفن والرادارات وغيرها.

ثلاث جهات عسكرية

تتكفل ثلاث جهات حكومية بالصناعة العسكرية:

لهيئة العامة للصناعات العسكرية.

تأسست في 2017 لتنظيم وتطوير الصناعة العسكرية. وتختص بوضع السياسة الصناعية في هذا الميدان وتدير عمليات شراء المعدات العسكرية وتهتم بالبحوث العسكرية، كما تصدر عنها تراخيص التصنيع وعقد الشراكات المتعلقة بالقطاع العسكري مع الجهات الداخلية والخارجية. تمثل الدولة في المحافل العسكرية الخارجية وتقيم معارض المعدات العسكرية.

المؤسسة العامة للصناعات العسكرية.

أنشأت في 1985 لتلبية طلبات القوات من الأسلحة والذخائر وقطع الغيار. وتهتم بصناعة هذه المواد. للمؤسسة عدة مصانع أهمها مصنع المدرعات والمعدات الثقيلة الذي ينتج عربات الدهناء والشبل 1 والشبل 2 وطويق 2.

الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي).

تأسست في 2017 وهي مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة. تشرف على عدة شركات فرعية مختصة بنمط معين من الأنظمة العسكرية. وتتولى التصنيع في خمسة ميادين:

الميدان الأول: الأنظمة الجوية وتتعلق بصيانة وإصلاح محركات وإلكترونيات الطائرات الحربية. وصناعة وإصلاح الطائرات بدون طيار وهياكل الطائرات.

الميدان الثاني: الأنظمة الأرضية. وترتبط بصناعة وإصلاح العربات والمدفعية.

الميدان الثالث: الأنظمة الدفاعية الخاصة بالصواريخ.

الميدان الرابع: الأنظمة البحرية كحماية الموانئ وإصلاح الزوارق.

الميدان الخامس: الأنظمة الإلكترونية المتمثلة بتصميم الحماية وصيانة الرادارات.

هدف سامي

تسعى الشركة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي للسعودية في الميادين المذكورة أعلاه. كما تهدف إلى أن تكون ضمن أكبر 25 شركة صناعية عسكرية في العالم بحلول عام 2030.
ترى، هل يمكنها الوصول إلى هذه الغاية؟

ينشر موقع دفنس نيوز سنوياً قائمة بأسماء أكبر مئة شركة صناعية عسكرية في العالم ويصنفها حسب أهميتها. يتضح من القائمة الأخيرة لعام 2024 أن عدد الشركات الأمريكية المدرجة فيها 48 شركة. وهنالك خمس شركات لكل من الصين وألمانيا وأربع شركات لكل من بريطانيا وفرنسا. وأغلب الشركات الأخرى تابعة لدول صناعية متقدمة في مختلف الميادين العلمية والتكنولوجية والاقتصادية.

في 2021 استطاعت شركة سامي وللمرة الأولى الانضمام إلى قائمة المئة شركة حيث سجلت المرتبة 98. ثم أحرزت تقدماً سريعاً فانتقلت إلى المرتبة 79 في 2022 و75 في 2023.

يتعين إذن التعرف على المعايير التي تستند إليها هذه القوائم في تصنيف الشركات. يجري التصنيف حسب حجم الدخل الإجمالي للشركة أي مبيعاتها العسكرية. فقد ارتفعت مبيعات سامي من 605 مليون دولار في 2021 إلى 901 مليون دولار في 2022 ثم إلى 1137 مليون دولار في 2023. لذلك استطاعت إحراز ذلك التقدم في الترتيب.

لا شك أن جميع الشركات محل البحث بما فيها سامي صناعية عسكرية. لكن تصنيفها يتم حسب نشاطها التجاري فقط ولا يوجد معيار آخر. لا يستند إذن التصنيف إلى القيمة الصناعية العسكرية المضافة. وبالتالي فأن بلوغ الهدف في 2030 (إن تحقق) لا يعني بالضرورة تقدماً صناعياً.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة أجيلتي الكويتية سجلت في 2008 المرتبة 37 في التصنيف. علماً بأن الكويت من أضعف البلدان من حيث القيمة الصناعية المضافة. وسجلت شركة ايدج الإماراتية في 2021 المرتبة 24. ولكن اختفت هاتين الشركتين من القوائم اللاحقة. في الوقت الحاضر سامي هي الشركة العربية الوحيدة في هذا التصنيف الدولي.

التوطين

نصت رؤية السعودية على ما يلي: “أن هدفنا هو توطين ما يزيد على 50% من الإنفاق العسكري بحلول 1452ه-2030م” (الصفحة 46 من وثيقة الرؤية). وتناقلت الأخبار والمقالات منذ عدة سنوات هذا النص دون تمحيص.

جاء تعبير الإنفاق العسكري الوارد في النص مطلقاً، وهذا خطأ فادح. فكما هو معلوم، يشمل الإنفاق العسكري مرتبات العسكريين والمصاريف الإدارية العسكرية وأثمان مشتريات المعدات العسكرية. في حين يقتصر القصد من التوطين على هذه الأثمان لأنه لا يعني سوى تصنيع الأسلحة والذخائر داخل البلد بدلاً من استيرادها.

لكن السؤال المهم يرتبط بإمكانية تحقيق ذلك الهدف أي تصنيع معدات عسكرية بالداخل بتلك النسبة في ذلك التاريخ.

حسب الهيئة العامة للصناعات العسكرية كانت نسبة التوطين 2% في 2015 أي قبل وضع الرؤية بسنة واحدة، وفي 2022 (بعد مضي ست سنوات على وضعها) وصلت النسبة إلى 13.7%. بمعنى أن المعدل السنوي للتوطين 1.9%: (13.7% – 2%) ÷ 6 سنوات. وهذا المعدل السنوي هو تقريباً نفسه المتحقق في عام 2022 مقارنة بالعام السابق.

وعلى افتراض أن عمليات التصنيع ستسير بكيفية مماثلة في السنوات القادمة. عندئذ تصبح نسبة التوطين 28.9% في 2030: (1.9% × 8 سنوات) + 13.7%.

وبعبارة أخرى لا يمكن للرؤية تحقيق هدفها المعلن. إذ أن بلوغ نسبة تزيد على 50% يحتاج (وفق حساباتنا أعلاه) إلى فترة أطول اعتباراً من عام 2022: عشرون سنة وليس ثماني سنوات. وبالتالي ستتحقق نسبة 51.7% في 2042 وليس في 2030.

تعود صعوبة تحقيق هدف الرؤية إلى ثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول أن التصنيع حديث العهد في السعودية خاصة عندما يتعلق بعمليات معقدة ومعدات متطورة.

السبب الثاني عدم كفاية الاتفاقات التي عقدتها الدولة مع الشركات العسكرية الأجنبية.

والسبب الثالث أن هذه الشركات لا تتنازل عن حقوق الملكية الفكرية كبراءات الاختراع خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا المتقدمة. لأن هنالك أسباباً ليست فقط مالية بل كذلك سياسية تحول دون ذلك.

أحرزت السعودية تقدماُ في الصناعات المختلفة. لكن الأهداف العسكرية لرؤية 2030 لن تتحقق إلا إذا استطاع البلد ليس فقط نقل التكنولوجيا بالاتفاق مع الشركات الأجنبية بل كذلك توليدها بالاعتماد على إمكاناته الذاتية.