قال تقرير لموقع «جلوبال ريسك إنسايتس» أن إقالة السعودية لوزير البترول المخضرم «علي النعيمي»، أقوى رجل نفط في العالم، يعتبر جزءا من منظومة الإصلاح الاقتصادي السعودية ضمن إعادة تنظيم شاملة للجهاز الإداري السعودي.
وأشار إلى أن الآثار المترتبة على إقالته ذات أهمية محورية في تاريخ التحول السعودي باتجاه عدم رهن الإيرادات والقرار السعودي علي النفط فقط، كما سيكون لها أيضا أثار كبيرة على أسواق النفط العالمية التي كان يلعب دورا في تنظيمها بقراراته.
وتميزت فترة رئاسة «النعيمي» لوزارة البترول والثروة المعدنية، منذ عام 1995، بالتعامل الرصين مع السياسات النفطية، ولعب خلال فترة ولايته أدوارا في التحكم في سعر البترول عبر منظمة أوبك، ودورا حاسما في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط المتقلبة من خلال تنسيق تخفيضات الإنتاج في المنظمة، خصوصا عامي 1997 و2008.
كما قام «النعيمي» أيضا بالتصدي لمخاطر النفط الصخري الزيتي الأمريكي على دول أوبك ودافع عن حصة السعودية ودول أوبك في مواجهته. كما كان يتولى التحكم في معركة أسعار النفط في الآونة الأخيرة.
وقاد «النعيمي» استراتيجية أثارت الجدل كثيراً خلال العامين الماضيين، اعتمدت على الحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة على الرغم من انخفاض أسعار النفط في محاولة للإطاحة بالنفط الأميركي من السوق، إلا أن هذه السياسة قادت في النهاية إلى زيادة العرض.
وجاء تعيين الوزير الجديد «خالد الفالح» رئيس أرامكو السابق وزيرا للبترول، والذي قضى حياته المهنية بالكامل في أرامكو، منذ عام 2009 حتى مايو/أيار 2015، ودمجها في وزارة الكهرباء والمياه، مؤشرا علي الربط بين قضايا النفط والمياه والكهرباء.
إبعاد «النعيمي» ورؤية 2030
ونوه تقرير «جلوبال ريسك» أن إبعاد «النعيمي» وإعادة تنظيم الإطار البيروقراطي السعودي، بتعيين «خالد الفالح»، هو خطوة أولي في سلسلة من الإصلاحات السياسية والتنفيذية الرامية إلى تنفيذ رؤية 2030، وهي الخطة الاقتصادية التي تهدف إلى خفض نفقات القطاع العام المتضخم وتقليص الاعتماد المفرط على النفط في الإيرادات حتى عام 2030.
ويشير التقرير إلى أن هذا التغيير تقف وراءه شركة الاستشارات الأمريكية (ماكينزي) التي استعانت بها المملكة لرسم خريطة المستقبل، ونائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، صاحب الرؤية الطموحة 2030 التي سوف تغير الحياة السعودية جذريا لدرجة غير مسبوقة في تاريخ المملكة.
وبحسب هذه الخطط المستقبلية، يتوقع مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وتنويع الاقتصاد، لتصبح قطاعات مثل السياحة والتعدين والبناء والرعاية الصحية تمثل أكثر من 60% من إيرادات الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030، بتكلفة 4 تريليونات دولار، سيتم تمويلها من خلال طرح أسهم لشركة أرامكو وإنشاء صندوق للثروة السيادية، والتقليص التدريجي للدعم على المياه والوقود والكهرباء.
عقبات تواجه الخطة
ويقول تقرير «جلوبال ريسك» أنه برغم عرض الأمير «محمد بن سلمان» لتقييم متفائل حول إمكانيات المشروع، وتأكيده أن المملكة ستكون قادرة على العيش بدون الاعتماد على النفط بحلول عام 2030، والذي يعتبره مراقبون سعوديون أمر «خيالي»، فإن الأمير لم يقدم سوى القليل من التفاصيل حول عملية التنفيذ.
وأشار التقرير إلى أن هناك «شكوكا كثيرة» حول كيفية استقطاب السعودية لأعداد كبيرة من السياح غير الحجاج، بينما تعتنق حكومتها العقيدة الوهابية الأصولية. كما تساءل التقرير: «كيف سيتم فعليا إصلاح ثقافة الفساد وعدم الكفاءة التي تعد جزءا لا يتجزأ من القطاع العام السعودي؟ وكيف يمكن لآل سعود القيام بإصلاحات مؤلمة (تقليص الدعم للخدمات) دون إغضاب السكان الذين اعتادوا لفترة طويلة على سخاء الحكومة؟».
لكن التقرير يري أن رؤية «بن سلمان» التي تقوم على «سعودية لا تبال بسعر النفط»، هي نوع من الخداع، لأن سياسة النفط ستظل داعمة لتوفير عائدات كافية تحسم نجاح الخطة في نهاية الأمر وتضمن الاستقرار للوضع المالي للبلاد لسنوات عديدة قادمة.
حقبة جديدة في مجال النفط السعودي
ويري تحليل «جلوبال ريسك» أن إقالة «النعيمي» الذي يوصف بأنه «دخيل» على النخبة الملكية لأنه كان يتعامل مع الموارد النفطية بغض النظر عن اعتبارات السياسة الخارجية لبلاده ويفضل ديناميكيات السوق على القرارات السياسية، تشير لانتهاء عصر التكنوقراط في حكم النفط. وأن النفط السعودي سيشهد بزوغ عهد جديد في مقاليد السلطة بعد تمرير القوة إلي «بن سلمان» ولجنته للشؤون الاقتصادية والتنمية.
ويؤكد التقرير أن تدخل «بن سلمان»، ساهم في إفشال خطة لأوبك في الدوحة في إبريل/نيسان الماضي بوساطة من «النعيمي»، لتجميد إنتاج النفط بعدما امتنعت إيران عن المشاركة، ما يعني من الآن فصاعدا، أن تكون الوزارة تابعة بشكل أكبر لأهداف السياسة الخارجية، وأن تعمل السياسة النفطية كسلاح سياسي في خدمة النزاعات مع إيران في سوريا واليمن والخليج.
وينوه إلى أن إقالة «النعيمي» والتعديل الوزاري الواسع الأخير، استهدفا تقوية يد «بن سلمان» وتعزيز موقفه، إذ أن العديد من الوزراء المعينين حديثا، و«خالد الفالح» على وجه الخصوص، يعتقد أنهم من المخلصين شخصيا لولي ولي العهد وكبار أفراد الأسرة الحاكمة.
كما أن إعادة تنظيم المناصب يشير ضمنا لأن رؤية «بن سلمان» الإصلاحية تحظى بدعم ضمني من الملك «سلمان»، وتوافق في الآراء في العائلة المالكة، ومن ثم ترجيح المزيد من المركزية في السلطة مستقبلا.
مخاطر عالية
وبرغم الإشادة بجرأة خطة «بن سلمان» فإن التقرير يرى أنها «محاولة متأخرة ولدت من رحم يأس بعض الطبقات الحاكمة السعودية من معالجة المشاكل الهيكلية العميقة التي ظهرت في عصر انخفاض أسعار النفط».
ويطرح التقرير بعض هذه المخاطر والمشاكل المتمثلة في الارتفاع الكبير في أعداد الشباب مقابل بطالة في العمل واحتمالات عمل قليلة في القطاع الخاص، والمطالب بحصة أكبر من أي وقت مضى في ظل تضاؤل موارد الطاقة والمياه في البلاد.
أيضا هناك تكاليف التدخلات العسكرية السعودية في المناطق المضطربة مثل اليمن تثير القلق حول نفقاتها الباهظة في ظل تدهور الوضع المالي بشكل حاد، ونقص الاحتياطيات المتوقعة للنقد الأجنبي الذي يتوقع أن ينخفض إلي 460 مليار دولار، بحلول عام 2019. وكذلك ارتفاع مستويات الدين والعجز في الميزانية لمستويات قياسية، وتوقع مزيد من الانخفاض في أسعار النفط (خام برنت) ليصل إلي 40 دولارا فقط العام المقبل.
ويؤكد التقرير في الختام أن «علي النعيمي» قد يكون ضحية لانخفاض أسعار النفط التي لعب دورا في انسجامها خلال ولايته، وأن نجاة المملكة في السنوات المقبلة يعتمد إلى حد كبير على كفاءة وبراعة «محمد بن سلمان».
محمد خالد- الخليج الجديد