التقارير الأممية يفترض أن تكون محايدة تعكس الحقائق في ظل البيئة التي تدار فيها الأحداث المستهدفة للتقرير. والمفترض أيضاً أخذ ذلك في الاعتبار قبل تشكيل لجنة تقصّي الحقائق وجمع المعلومات وفرزها والتأكد من دقتها ويأتي بعد ذلك توليفها في وثيقة تُراجع وتُنقح ويتم التشاور مع الاطراف المعنية والاستفسار حول بعض الجوانب التي قد تخفى على مندوبي الأمانة العامة الذين قاموا بزيارة المواقع والاطلاع على ما حصل لا للموافقة عليها ولكن للتأكد من صحة المعلومات قبل وضعها في نص يقدم لمجلس المنظمة المعنية أو لمجلس الأمن أو أي سلطة عليا في منظومة الأمم المتحدة. والتقارير عادة ما تكون غير مرضية لكل الأطراف ولكن حياديتها ودقة المعلومات الواردة بها تعزز قوتها ومصداقية من قام بإعدادها. والأمين العام من المفترض أن يحرص على موضوعية وصحة المعلومات.
من التجارب السابقة في عام1988م حادثة بانام «103» تفجرت قضايا وتكهنات وجدل وادعاءات وتهم وكان هناك أطراف كبرى أعضاء في مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا. خضع التقرير لمداولات مكثفة بين الأمانة العامة ورئيس مجلس المنظمة والأمين العام للأمم المتحدة قبل تقديم التقرير للمجلس وتم الاتفاق على الحد الأدنى المقبول من كل الاطراف قبل رفع التقرير لمجلس الأمن لاتخاذ القرار النهائي بشأنه. وحادثة قانا في 18 نيسان 1996 التي اقترفها العدو الصهيوني بدم بارد عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر الامم المتحدة في لبنان وذهب ضحيتها عدد يفوق المائة من الاطفال. وقام الأمين العام بطرس بطرس غالي بنشر التقرير خلافاً لما كانت ترغبه أمريكا وإسرائيل لأن فيه ادانة صريحة وخرقاً للقوانين الدولية ارتكبتها إسرائيل بشكل فاضح. ردة الفعل الأمريكية كلفت الأمين العام عدم التجديد له لولاية ثانية كما جرت العادة لكل من سبقه في منصب الأمين العام.
والحالة الثالثة تتعلق بشن الحرب على العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل ،ولقناعة كوفي عنان بعدم دقة التقارير طالب مجلس الأمن بالتريث ثلاثة اشهر قبل إصدار قرار مجلس الأمن تحت ضغط أمريكي ومعارضة شديدة من وزير خارجية فرنسا دو فيلبان في ذلك الوقت، ولكن الولايات المتحدة استخدمت كل الوسائل لتمرير القرار وشن الحرب على العراق بحجة أن لديها أسلحة دمار شامل والتي لم يوجد لها أثر قبل الحرب وبعده.
والدول المعنية مباشرة بالتقارير المماثلة ومندوبوها عادة يتابعون بطرقهم الخاصة سير التقارير قبل صدورها حتى لا يفاجأوا بمثل الذي حصل في التقرير الأخير الذي اعترضت عليه المملكة واضطر الأمين العام لحذف اسم المملكة وقوات التحالف منه ، كما أن عمل الوفود الدائمة في الأمم المتحدة مسؤولية دائمة على مدار الساعة .
بان كي مون تعرض لموقفين يشككان في طريقة تعامله مع بعض المواقف الحساسة الاول بخصوص الخلاف على الصحراء بين الجزائر والمغرب والأخير بخصوص قوات التحالف في اليمن. والاستنتاج من ذلك اما انه كان موعزاً لبان كي مون من بعض الدول الكبرى في مجلس الامن بالقيام بما حصل أو بسبب ضعف قدرته على تجنب اتخاذ قرارات تصعد التوتر بين الدول وتؤثر على موقفه كأمين عام للأمم المتحدة يفترض أن يتحلى بالحياد في كل الحالات.
وخلاصة القول إن كل تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية واللجان المتفرعة عنها لا تخلو من التسييس بسبب هيمنة القوة التي تملكها الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن وما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين أكبر دليل على ذلك.
سعيد الفرحة الغامدي- المدينة السعودية-