دعت منظمتا «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، الحقوقيتان الدوليتان، الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، بدعوى مشاركة المملكة في ارتكاب «انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان» باليمن.
وينص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 60/251، الذي أُنشأ بموجبه مجلس حقوق الإنسان، على أنه يجوز للجمعية العامة، بأغلبية ثلثي عدد أعضائها الحاضرين والمصوِّتين، تعليق عضوية الدولة العضو في المجلس، التي ارتكبت انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان. وفي عام 2011 كانت ليبيا الدولة الأولى والوحيدة التي عُلِّقت عضويتها.
وفي بيان مشترك قالت العفو الدولية ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» إن المملكة العربية السعودية اقترفت «انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان» في الخارج والداخل، واستغلت موقعها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كي تمنع على نحو فعال تحقيق العدالة بشأن جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها، ووجَّهت المنظمتان نداء مدوّياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعليق عضوية السعودية فيه.
69 ضربة جوية
ودعت المنظمتان إلى «تجريد المملكة العربية السعودية من حقها في عضوية مجلس حقوق الإنسان إلى أن تضع حداً للهجمات غير القانونية من قبل التحالف العسكري الذي تقوده في اليمن، وإجراء تحقيق محايد وذي مصداقية في تلك الهجمات».
وقال التقرير، الذي نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية، إن «السعودية بصفتها قائدة التحالف العربي الذي نفذ عمليات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن في 26 مارس/آذار 2015، تورطت في العديد من انتهاكات القانون الإنساني الدولي وتم توثيق وثقت 69 ضربة جوية غير قانونية لقوات التحالف قد يرقى بعضها لمستوى جرائم الحرب».
وأضاف التقرير أن تلك الضربات «قتلت 913 مدنيا على الأقل واستهدفت منازل وأسواق ومستشفيات ومدارس وشركات مدنية، ومساجد».
كما زعم التقرير أنه «تم أيضا توثيق 19 هجمة استخدمت فيها الذخائر العنقودية المحرمة دوليا، بعضها على المناطق المدنية ولذا فمن الضروري تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان حتى تُنهي الهجمات غير القانونية في اليمن وتُجري تحقيقات ذات مصداقية تستوفي المعايير الدولية أو تُوافق على تحقيق دولي مستقل وتتعاون معه».
وقال «ريتشارد بينيت»، مدير مكتب منظمة العفو الدولية في الأمم المتحدة: «إن مصداقية مجلس حقوق الإنسان على المحك، فمنذ انضمام السعودية إلى المجلس استمر سجلها المزرى في مجال حقوق الإنسان في التدهور، وظل التحالف الذي تقوده يقتل ويجرح آلاف المدنيين في اليمن بصورة غير قانونية. وإن السماح لها بالبقاء كعضو فاعل في المجلس، الذي استغلت موقعها فيه لحماية نفسها من المساءلة على جرائم الحرب المحتملة، إنما ينمُّ عن نفاق بالغ، ومن شأنه أن يؤدي إلى تلطيخ سمعة أعلى هيئة عالمية لحقوق الإنسان».
وتابع «بينيت»: «إن الأدلة القوية على ارتكاب جرائم حرب في اليمن على أيدي قوات التحالف بقيادة السعودية كانت تقتضي أن يُجري مجلس حقوق الإنسان تحقيقاً في تلك الجرائم، ولكن بدلاً من ذلك، فقد استخدمت السعودية عضويتها في المجلس لإفشال مشروع قرار يقضي بإجراء تحقيق أممي، وذلك بالحصول على دعم لمشروع قرارها المنافس الخاوي بتقديم مساعدة إلى لجنة تحقيق وطنية يمنية، وبعد مرور تسعة أشهر عجزت تلك اللجنة عن إجراء أي تحقيقات ذات مصداقية في مزاعم جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة».
يذكر أن المملكة العربية السعودية انضمت إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في عام 2014.
إعدام 350 شخصا منذ انتخاب السعودية للمجلس
وقالت المنظمتان إنه «في الداخل نفَّذت السعودية مئات عمليات الإعدام، وحكمت على أطفال بالإعدام إثر محاكمات جائرة بشكل صارخ، وقمعت نشطاء المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان بلا هوادة». وأشار البيان الصادر عنهما إلى أنه تم إعدام أكثر من 350 شخصا منذ انتخاب السعودية عضوا في المجلس، حيث شهد عام 2015 تنفيذ عدد من عمليات الإعدام المسجلة يفوق عددها في أي عام آخر منذ سنة 1995.
التحالف مسؤول عن 60% من وفيات الأطفال
وأوضح التقرير أن «مؤسسات الأمم المتحدة أدانت مرارا بانتهاكات قوات التحالف بقيادة السعودية، وكذلك (انتهاكات) قوات الحوثيين وحلفائهم».
وتابع التقرير: «في العام الماضي، وجد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التحالف العربي مسؤولا عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال المسجلة، وقرابة نصف الهجمات الـ 101 على المدارس والمستشفيات».
وأضاف: «في مارس/آذار الماضي، اعتبر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، أن التحالف كان مسؤولا عن ضعف عدد الضحايا المدنيين مقارنة بالقوات الأخرى مجتمعة».
الدعم السعودي مقابل الصمت الدولي
واتهمت المنظمتان السعودية بأنها «تهرَّبت من المساءلة من خلال الضغط على الأمم المتحدة لحملها على شطب التحالف العسكري الذي تقوده في اليمن من قائمة الدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة، كما هددت بالتخلي عن التزاماتها تجاه الأمم المتحدة ووقف مساعداتها المالية، بما فيها تلك المقدَّمة للمشاريع الإنسانية، وسحب حلفائها المقرَّبين معها».
وضمت قائمة الدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في النزاع المسلح، كلا من أفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى وميانمار، وكذلك القوات الحكومية في سوريا وجنوب السودان، بينما تم حذف اسم السعودية.
وانتقد «بينيت» ما وصفه بأنه «الصمت المطبق للمجتمع الدولي، الذي طالما رضخ لضغوط السعودية مرارا وتكرارا، وقدَّم صفقات الأسلحة والتجارة على حقوق الإنسان على الرغم من سجل المملكة في ارتكاب انتهاكات جسيمة وممنهجة، مع الإفلات التام من العقاب».
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال تقرير للأمم المتحدة إن التحالف مسؤول عن 60% من الوفيات والإصابات بين الأطفال باليمن في العام الماضي، كما أنه مسؤول أيضاً عن نصف الهجمات على المدارس والمستشفيات في هذا البلد، قبل أن يعلن مندوب السعودية في الأمم المتحدة، رفع اسم التحالف الذي تقوده المملكة من قائمة الانتهاكات بحق الأطفال في اليمن نهائيا.
أمريكا وبريطانيا متهمتان أيضا
وقالت «سارة ليا واطسون»، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» أن السعودية «انتهكت القواعد الأساسية للقانون الإنساني الدولي» بما في ذلك «القصف العشوائي للمناطق المدنية» مثل المدارس والمستشفيات والأسواق.
واتهمت «واطسون» كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا بتحمل جزء من المسئولية عن جرائم الحرب هذه من الناحية القانونية لبيعهما عام 2015، أسلحة بأكثر من 24 مليار دولار للمملكة».
وقال «فيليب بولوبيون»، نائب مدير برنامج المرافعة الدولية في «هيومن رايتس ووتش»: «راكمت السعودية سجلا مروعا من الانتهاكات في اليمن إبان عضويتها في مجلس حقوق الإنسان، وأضرت بمصداقية المجلس بممارسة التخويف على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتجنب مساءلتها ويجب تعليق عضويتها فورا».
وقال «بولوبيون» أن بلدانا أخرى أعضاء في مجلس حقوق الإنسان لديهم أيضا سجلات حقوقية مشكوك فيها، مثل روسيا والصين والإمارات العربية المتحدة، وبوروندي، بخلاف السعودية.
وكالات-