تقارير الأمم المتحدة باتت تُستخدم ورقة ضغط سياسي، يحاول البعض استغلالها لتحقيق أهداف لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ولا ترتبط بالسعي إلى تحقيق العدالة
دأبت عدد من المنظمات الدولية خلال السنوات القليلة الماضية على اتباع معايير سياسية في إعداد تقاريرها التي يفترض أن تتحلى بمعيار واحد، هو المهنية، والبحث عن الحقيقة، فقط لا غير.
والمؤسف أن تقارير الأمم المتحدة باتت تُستخدم ورقةَ ضغط سياسي، يحاول البعض استغلالها لتحقيق أهداف لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ولا ترتبط بالسعي إلى تحقيق العدالة.
وشهدنا خلال الفترة الماضية تقارير جافت الحقيقة، وابتعدت عن الواقع، على غرار التقرير الذي أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة في اليمن، وممثلها، جورج أبو الزلف، الذي اتهم التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، باستهداف الأطفال، وهو التقرير الذي أثار استغراب العالم بأسره، واضطرت المنظمة الدولية إلى تجاوزه، ورفع اسم التحالف من قائمته السوداء، بعد الحملة المضادة التي قادتها المجموعة العربية في الأمم المتحدة، ونجاحها في دحض مزاعم المسؤول المنحاز.
وغني عن القول، إن مثل هذه التقارير تقدح في مصداقية المنظمة الدولية، وتفقدها الثقة، وتهز مكانتها وحياديتها، لا سيما أن حكومة اليمن الشرعية أثبتت بالدليل القاطع أن تقارير المفوضية يعدها أشخاص تابعون للجماعة الانقلابية، وأن عددا منها صدر ورئيس المفوضية نفسه خارج اليمن، وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول الغاية من هذه التقارير، وتوقيت صدورها، والمعايير التي تقوم عليها عملية اختيار القائمين على هذه المنظمات ومسؤوليها.
وفي ظل فوضى حرب التقارير –إن جاز المصطلح– فإن موقف الأمم المتحدة، وموثوقيتها أمام العالم مرشحة لمزيد من التدهور وفقدان المصداقية، بعد أن اكتفت بإبداء القلق، والإعراب عن الانزعاج، والاستنكار والشجب، في الوقت الذي تلتهب فيه الأحداث في العديد من دول العالم، لا سيما منطقة الشرق الأوسط.
فالمسؤولون الدوليون أصيبوا بالخرس السياسي، ولم ينبسوا ببنت شفة، وهم يرون الطائرات الروسية تشوي جلود المدنيين العزل في حلب بنيرانها، وتدك منازلهم فوق رؤوسهم، وتستخدم القذائف العنقودية، وترسل قذائف الغاز السام على سكان إدلب، كما صمتوا على تجاوزات جماعة الحوثيين التي اغتصبت السلطة بالقوة، وحاربت حكومة منتخبة، وحاصرت المدنيين في القرى والمدن. ناهيك عما يجري في العراق من ممارسات طائفية بعلم المجتمع الدولي، وما يحدث في لبنان من تعطيل يمارسه حزب الله لإكمال المنظومة الدستورية واختيار رئيس للبلاد.
لم يجرؤ مسؤولو المنظمة الدولية على القيام بأي موقف عملي، وبادروا –في حالات ضيقة– إلى إطلاق تصريحات خجولة، تدعو إلى منع العنف، ومراعاة سلامة المدنيين في سورية، دون إدانة حقيقية، أو تحديد لهوية الطرف المتسبب في الانتهاكات الإنسانية، لسبب وحيد، هو أن روسيا إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتملك حق النقض "الفيتو"، لذلك تكتسب الدعوات المنادية بإصلاح وتغيير آلية عمل المنظمة الدولية، أهميةً متزايدة.
ولعل الموقف القوي الذي اتخذته المملكة برفض عضوية مجلس الأمن، والذي أثار دهشة كثير من الدول التي تتهافت على ذلك المنصب، كان بمثابة جرس إنذار على تراجع مكانة المنظمة الدولية التي باتت في عهد أمينها العام الحالي، بان كي مون، أضعف دورا وأقصر يدا، بسبب سياسات التردد التي يتبعها، وخضوعه لمنطق الدول الكبرى، وغضه الطرف عن التجاوزات التي ترتكبها، وهو ما أفقد المنظمة -التي يفترض أنها حامية للشرعية والقانون- هيبتها، وقلل التعويل على قراراتها، بحيث تعقد جمعياتها العامة وتنتهي، دون أن تجد من يلقي لها بالا.
ورغم ثبوت وجود دوافع سياسية وراء التقارير التي تصدرها مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، بين الفينة والأخرى، وتحاول إلصاق تهم ملفقة بالمملكة، إلا أن النظر إلى الواقع، مع ممارسة قدر من نقد الذات، يوضح وجود تقاعس من منظمات المجتمع المدني في بلادنا، لا سيما المعنية بحقوق الإنسان، في توضيح كثير من الجوانب المشرقة في المملكة التي تستمد دستورها ونظام حكمها من شريعة الإسلام، والتي كرمت الإنسان قبل أكثر من 1400 عام، في وقت كان الجهل والظلم يطبقان على بقية شعوب الأرض، وهو تكريم لم ينله بنو آدم منذ فجر التاريخ، حيث حرَّم الإسلام دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وجعل قتل النفس البشرية –بغض النظر عن دينها وعرقها– بمثابة قتل للناس جميعا، ومنع إكراههم على شيء، وأتاح لهم البقاء على أديانهم وممارسة شعائرهم.
كذلك تضمن أنظمة الحكم في المملكة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على أرضها وزوارها، مسلمين كانوا أو غير ذلك، ولا تتسامح مع أي اعتداء أو تجاوز، وتسارع إلى الاقتصاص من كل من يتعدى على حقوق الآخرين. ويتشدد قضاؤها في مسائل الدماء والحقوق وأكل أموال الناس بالباطل، فيما نشاهد في كثير من الدول التي تدّعي عراقة حضارتها، وقوعَ حالات كثيرة من الاعتداء على حقوق المهاجرين واللاجئين، دون أن تبادر السلطات إلى ردع المعتدين، ودون أن تجد من المجتمع الدولي انتقادا أو مجرد لوم.
لا أقول إن مجتمعنا مثالي وخال من النقائص والمثالب، لأننا مجتمع بشري لا بد فيه من أخطاء، لكن المنصف هو من يسعى إلى فهم الأمور على حقيقتها، دون تهوين أو تهويل، ويسعى إلى التمييز بين أخطاء الأفراد وتجاوزات الأنظمة، وبين العادات وثوابت المجتمع.
نعم، لدينا أخطاء نسعى إلى إصلاحها، ومن منا بغير نقيصة أو تقصير؟
ديننا ومجتمعنا حافلان بالعديد من الجوانب المشرقة، إن أحسنا إبرازها وتقديمها للآخر في صورتها الحقيقية، نكون قد فنّدنا عمليا تلك الاتهامات الباطلة، ورددنا السهام التي تحاصرنا إلى نحور مطلقيها.
أما الذين يستمرئون اتهام الآخرين دون وجه حق، فهؤلاء لا حل لهم إلا التجاهل، لأنهم ينطلقون من مواقف سياسية وشخصية، ولا تعجبهم النهضة التي تشهدها المملكة، والتطور الذي ينتظمها، سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، بحيث أصبحت أكبر دول العالمين العربي والإسلامي.
هادي اليامي- الوطن السعودية-