بعد فترة عصيبة انتابت العلاقات الأمريكية السعودية، وصلت درجة الابتزاز الأمريكي، يسافر ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان إلى واشنطن، في زيارة تأتي بينما العلاقات بين البلدين على المحك ومفترق طرق، فهناك تحليلات تشير إلى الانحياز الأمريكي الواضح ضد أولويات الأمن الخليجي والسعودي، والتماهي الأمريكي مع النظام الإيراني، وصمت على التغول الروسي، وانسحاب أمريكي اختياري، فماذا يمكن أن تقدم إدارة أوباما إلى حليفها التقليدي القديم، الذي يعصف به مؤامرات إيرانية بغطاء أمريكي، وما محاور لقاء بن "سلمان-أوباما" وماذا سيهمن على نتائج اللقاء ومخرجاته الأجندة الأمريكية أم السعودية وسط تضارب في الأجندات.
يصل الأمير محمد بن سلمان الاثنين 13 يونيو/حزيران إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية تستمر عدة أيام يلتقي خلالها بعدد من المسؤولين لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
محاور لقاء سلمان-أوباما
أربع محاور تهيمن على زيارة بن سلمان لأمريكا السياسي والأمني والاقتصادي، والدولي والإقليمي وبخاصة الملف السوري واليمني والتحالف الإسلامي، ولن تنفصل الهواجس الأمنية وأزمات المنطقة وجهود مكافحة الإرهاب، عن أجواء زيارة ولي ولي العهد ولقائه المسؤولين الأمريكيين، وبالأخص اللقاء الذي سيجمعه بنظيره وزير الدفاع آشتون كارتر.
الخطة باء في سوريا
وبحسب رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية المعروفة اختصارا ب"سابراك" سلمان الأنصاري، فإن النقاش بزيارة بن سلمان سيتركز في الملف الأول على إعادة إحياء (الخطة باء) ووضعها على الطاولة مجددا بما في ذلك تزويد المعارضة السورية بما تحتاجه من سلاح (أرض - جو) لقلب المعادلة على الأرض، مع حث الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ خطوات جدية ولعب دور أكثر فاعلية على المشهد السوري ومع حلفاء الأسد المعرقلين لموضوع الانتقال السلمي للسلطة.
القاعدة في اليمن
أما بالنسبة للملف اليمني، فمن بين أهم الملفات التي ستحضر في مباحثات محمد بن سلمان في أمريكا الحرب على قاعدة اليمن، وجهود قوات التحالف الخاصة باستعادة المكلا من التنظيم الإرهابي. وأشار الأنصاري إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تركز أكثر في الملف اليمني على موضوع الحرب على القاعدة، وذلك لافتقارها لأي كرت يمكن أن تلعب به مع الحوثيين.
يشار إلى أن هذا الطرح يؤكد أن اللقاء يميل إلى الرؤية الأمريكية التي تعطي أولوية لمحاربة القاعدة وليس مواجهة الحوثيين.
التحالف الإسلامي
وأبرز رئيس سابراك الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على الإرهاب من الناحية الاستخباراتية، والمتوقع أن يكون على طاولة بحث المسؤولين السعوديين والأمريكيين خلال زيارة ولي ولي العهد.ويتوقع المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري أن يحظى موضوع التحالف الإسلامي العسكري الخاص بالحرب على الإرهاب بزخم سياسي خلال زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن، حيث من المتوقع أن يكون على طاولة البحث ضمن ملفات أخرى تتصل بالحرب على التطرف والإرهاب تحتاج إلى تكثيف أكبر من التعاون بين الطرفين.
مفاجآت اقتصادية
وتتجه التحليلات والتوقعات إلى التأكيد بأن الموضوع الاقتصادي سيكون له الزخم الأكبر على المستويين الرسمي والإعلامي.ويقول الأنصاري "زيارة ولي ولي العهد لأمريكا ستكون لها مفاجآت اقتصادية كبيرة تفيد الطرفين." رئيس مركز سابراك، أكد أن هناك رغبة حقيقية من الجانبين السعودي والأمريكي لتفعيل ما تم الاتفاق عليه في سبتمبر الماضي خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لأمريكا، وفتحه الأبواب الاقتصادية أمام المستثمر الأمريكي.
كانت قد وضعت السعودية خلال الأسابيع الماضية أولى خطوات شراكاتها الاستراتيجية بعيدة المدى مع اثنتين من كبرى الشركات الأمريكية، وهي شركة جنرال الكتريك والتي تبلغ قيمة الصفقة معها نحو 11 مليار ريال للإسهام في تنفيذ الرؤية السعودية 2030، وشركة أوبر التي دخل صندوق الاستثمارات العامة السعودي فيها كأكبر استثمار دولي بقيمة 3.5 مليارات دولار.
الأنصاري لم يتمكن من التنبؤ بحجم أو ماهية الشركات التي سيتم الدخول معها بشراكات اقتصادية استراتيجية، ولكنه أوضح أن ما سيجري سيكون مفاجأة، لافتا إلى أن البترول لم يعد العملة النادرة، مشددا على أهمية مثل هذا النوع من الشراكات لإطالة أمد ومدى العلاقات السعودية الأمريكية.
تطبيق خطة 2030
أشار الموقع الالكتروني لمركز الخدمة المعلوماتية للعلاقات السعودية – الأمريكية SUSRIS، في تقرير له بمناسبة زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة إلى أن الزيارة تنطوي على أهمية خاصة، وعدّد الموقع أسباب أهميتها فى:أولًا لأن بن سلمان يشغل منصب وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهما منصبان يغطيان مجالاً واسعًا في القضايا ذات الأهمية القصوى بالنسبة للعلاقات السعودية - الأمريكية، وثانيًا لأن الزيارة تجئ بعد بضعة أيام فقط من إعلان صندوق الاستثمارات العامة في المملكة شراء حصة ضخمة في شركة أوبر العالمية وبما يعدّ الاستثمار الدولي الأول منذ إعلان المملكة عن رؤية 2030 لتنويع اقتصادها، وحيث تتطلع المملكة أيضًا إلى خصخصة أجزاء من شركة أرامكو السعودية، وأيضًا التطلع نحو الأسواق العالمية لزيادة التمويل، وحيث أن المتوقع أن تدور لقاءات بن سلمان في نيويورك مع البيوتات المالية الكبرى حول هذا الموضوع.
كما تأتي الزيارة بعد بضعة أيام فقط من مصادقة مجلس الوزراء السعودي على خطة التحول الوطني للمملكة العربية السعودية التي تشكل عنصرًا محوريًا لرؤية 2030 الإصلاحية التي أعلنت في 25 من أبريل الماضي، وحيث يتوقع المراقبون أن تجسد تلك الخطة الترجمة العملية لـ «الرؤية» عبر البرنامج الطموح الذي أعلن عنه بن سلمان والذي يهدف إلى هيكلة الاقتصاد السعودي وجعله أقل اعتمادًا على عائدات النفط.
انفراجة بملف 11 سبتمبر ..السعودية غير متورطة
فيما يبدو انفراجة بملف 11 سبتمبر وتراجع عن الاتهامات الموجهة للرياض قبيل وصول ولي العهد السعودي، واتجاه لترطيب العلاقات وتهدئة الرياض، وصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي أي إيه جون برينان، العلاقات مع السعودية بأنها الأفضل،خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أنه لا توجد أي أدلة تشير إلى تورط السعوديية، دولة أو مؤسسة، في اعتداءات 11 سبتمبر.
وأكد جون برينان في لقاءه مع قناة العربية، ألا علاقة للسعودية بأحداث "11 سبتمبر"، وأن ما يسمى ب"28 صفحة" هو جزء من تحقيق نشر عام 2002 بعد هجمات "11 سبتمبر" وقال:"كانت مراجعة أولية..واتضح لاحقا حسب نتائج التقرير أنه لا توجد أي أدلة تشير إلى تورط السعودية، أو حتى مسؤولين سعوديين كبار، وأعتقد أن الصفحات ال28 ،سيتم نشرها، والجميع سيرى الأدلة على أن الحكومة السعودية غير متورطة، وطبعا كل التقييمات التي تبعت التحقيقات أثبتت أن من وراء هذا العمل هم القاعدة والظواهري وما شابههما.
لا تعاون مع طهران..طمأنة جوفاء
في محاولة لغسل يدها من الانحياز لحلف إيران خامنئي، نفى برينان أي تعاون بين بلاده وإيران، وقال إنه يشعر بالقلق تجاه الدور الذي تلعبه طهران ومنظماتها في العراق وسوريا ودول أخرى، وتأجيجها الصراع الطائفي، مطالبا بوقف الدعم للميلشيات الشيعية.وأضاف:"لا يوجد أي اتصال مع إيران..اتصالاتنا معه صفر، وأنا لا زلت أشعر بالقلق بسبب نشاطات إيران الإرهابية، ودعمها للتنظيمات الإرهابية، وخصوصا "فيلق القدس".."
أما السياسات الواقعية تؤكد وجود تحالف أمريكي إيراني نشط في العراق تحديدا تلعب فيه الميلشيات الإيرانية والحرس الثوري دورا بارزا، كذلك عززت واشنطن من دور إيران الإقليمي ما بعد الاتفاق النووي، على حساب الحليف السعودي بحسب مراقبين.
أولوية محاربة داعش ..تضارب الأجندات
لا يزال ملف محاربة داعش يتصدر أولويات واشنطن ومن المتوقع تصدرها لقاء بن سلمان، ويؤشر على ذلك تأكيد مدير "سي أي إيه" أن كلا التنظيمين داعش والقاعدة عازمان على تنفيذ هجمات إرهابية، فداعش تنظيم كبير جدا من حيث تواجده ليس في العراق وسوريا فحسب ولكن أيضا في كل من شمال أفريقيا وجنوب آسيا ومناطق أخرى. وهذا يجعلنا نشعر بقلق بالغ خاصة من حيث تمدد التنظيم وقدرته على القتل. أما تنظيم القاعدة فهو لا يزال موجودا في كل من أفغانستان وباكستان وسوريا وكذلك في شمال إفريقيا. وهذا يتطلب من المختصين في مجال مكافحة الإرهاب أن يظلوا يقظين للتصدي للتهديدات المحتملة التي تمثلها هذا التنظيمات.
تعاون بمجال مكافحة الإرهاب
في رد على سؤال "كيف تصف التعاون الحالي بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية؟ بالتزامن مع زيارة بن سلمان قال "برينان": "لدينا تعاون ممتاز مع السعودية. وقد تعاونت مع شركائي السعوديين على مدى سنوات طويلة. فقد عملت في المملكة على مدى خمسة أعوام تحت قيادة ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف. وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أصبح السعوديون من بين أفضل شركائنا في مجال مكافحة الإرهاب. والأمر كذلك بالنسبة لتعاوننا مع الملك سلمان وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حيث نشعر أن لدينا فيهما شريكان قويان في المعركة التي نخوضها ضد الإرهاب."
تكشف هذه الرؤية اختلاف الأجندات فالرياض الأولوية لها حل الأزمة اليمنية والسورية والإطاحة بالأسد وإجهاض انقلاب الحوثي صالح، أما أمريكا فتصر على محاربة داعش بالتعاون مع أعداء الرياض من إيران وميلشياتها.
لا تسليح للمعارضة السورية
هل يمكن أن تقدم إدارة أوباما شيئا لحل الأزمة السورية في لقاء بن سلمان؟ أمر مستبعد، بناء على تصريحات "برينان" التي نفى فيها نقل أسلحة نوعية للمعارضة المعتدلة بالقول "إننا نشعر بالقلق إزاء استخدام الصواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف لأننا لا نريد أن تصل هذه الصواريخ إلى أيدي التنظيمات الإرهابية بسبب التهديد الخطير الذي يمثله ذلك بالنسبة للطائرات التجارية. لذلك نريد أن نضمن بقاء الجيش السوري الحر قويا.
شؤون خليجية-