هل يلعب آل سعود لعبة حافة الهاوية؟ السؤال مرده ليس إلى إفشال محادثات اليمن ولا التصعيد في سوريا، بل الذهاب في البحرين نحو الفتنة الدامية. يبدو ان نظرة آل سعود الى الاوضاع في المنطقة تاخذ منحى مختلفا. ويبدو أن زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة لم تحمل "عقلنة" كان يجري الحديث عنها، بل تصعيداً مرتبطاً الى حد بعيد برهان سعودي على تغييرات كبيرة في العالم بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة
قبل اعتقاله في 28 كانون الأوّل 2014، رأى الأمين العام لجمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، في إحدى خطبه، أن «المساس بآية الله قاسم سيغيّر وجه ومستقبل البحرين والشعب قادر على قلب المعادلة». توقّع سلمان اعتقاله، وعبّر عن ذلك في عددٍ من خطبه، لكن المسّ بقاسم لم يكن في حسبانه، فهو المرجع الديني الأبرز في البلاد. تجاوز النظام البحريني، بدفعٍ سعودي الخطوط الحمر في مواجهة المعارضة. لم يكتفِ بإسقاط الجنسية عن آية الله عيسى قاسم، بل أمره أيضاً بمغادرة البلاد فوراً.
الخطوة التصعيدية ذات أبعاد مختلفة. في الدرجة الأولى، يريد النظام السعودي، الحاكم الفعلي للبحرين منذ احتلال قواته الأراضي البحرينية عام 2011، أن يسدد ضربة يراهن على أن تكون قاضية للانتفاضة السلمية، بعد اعتقال سلمان، وحل "جميعة الوفاق". واللافت أن هذا القرار يُمعن في إقصاء دعاة العمل السلمي، وضامني عدم الدفع بالانتفاضة إلى الخيار العنفي. كما لا يُمكن فصل ما جرى امس في المنامة عما يقوم به حكام الجزيرة العربية داخل حدود المملكة السعودية، حيث يقمعون، بقطع الرؤوس، أيّ احتمال لمعارضتهم، تماما كما فعلوا بداية العام الجاري، بإعدام الشخ نمر النمر، ثم اعتقال الشيخ حسن الراضي.
خارجياً، يوجّه نظام آل سعود رسالة إلى الأقربين والأبعدين، وأولهم إيران. وهذه الرسالة تشير إلى أن النظام السعودي لا يفتح أي باب للتسوية في أي ملف من الملفات الملتهبة في المنطقة. على العكس من ذلك، فإنه يريد التصعيد، ولو بصبغة مذهبية خالصة. يكرر التجربة بعد حادثة التدافع في منى قبل نحو 9 أشهر. فهي بدلاً من الاعتراف بالخطيئة، والعمل على معالجتها، أطلقت حملة شعواء على إيران. وكذلك الأمر في اليمن، حيث قرر آل سعود تدمير البلاد على السماح بحُكم متوازن فيها، يكون فيها من لا يوالون حكام الرياض شركاء في السلطة. وقبل اليمن سوريا التي يرفض النظام السعودي أي تسوية سياسية معقولة فيها، فيما يفضّل هذا النظام بقاء "داعش" مسيطراً على غرب العراق، على أن يحرّره خصوم السعودية.
أبرز المواقف المندّدة التي خرجت تضامناً مع قاسم، الذي حمل جملة رسائل واضحة، كان موقف قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، الجنرال قاسم سليماني الذي أكّد أن «الإساءة إلى الشيخ قاسم ستكون بداية لانتفاضة دامية، تقع مسؤوليتها على من يُشرّعون غطرسة حُكام البحرين»، مشيراً إلى أن «التعرض لحرمة الشيخ يُشعل النار في البحرين والمنطقة بأسرها». وفي حديثه لوكالة «يونيوز» قال سليماني إن «ممارسات آلِ خليفة لن تُبقي خياراً للشعب إلا المقاومة المسلحة»، باعتبار أن التعرّض للشيخ هو «خط أحمر لدى الشعب». وفي لبنان، دان حزب الله الخطوة غير المسبوقة، ودعا «شعب البحرين الى التعبير الحاسم عن غضبه وسخطه بسبب النيل من رمزه الكبير». وأضاف أنّ «السلطة بحماقتها وتهوّرها تدفع الشعب البحريني إلى خيارات صعبة ستكون عاقبتها وخيمة على هذا النظام الديكتاتوري الفاسد». أما من العراق، فأعلن الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أنّ «العصائب مستعدة لدعم الشعب البحريني في مواجهة النظام إذا ما تعدى الخطوط الحمر»، مشيراً إلى أن «الوسائل السياسية لا تكفي وحدها».
النظام البحريني وضع الخطوة امس في سياق «مواجهة كافة قوى التطرف لمرجعية سياسية دينية خارجية». وزارة الداخلية اتهمت قاسم بـ«استغلال» المنبر الديني «لخدمة مصالح أجنبية»، والتشجيع على «الطائفية والعنف». ويندرج هذا الإعلان في سياق حملة شرسة شنّها النظام في محاكمه، وصحفه الموالية ضد رجال دين، وعلى رأسهم عيسى قاسم. كان متوقعاً من السلطات البحرينية إجراء بحقه، لكن ليس بهذا الحجم. إذ حملت الأيام الماضية إشارات تشي بتضييق الخناق على قاسم، ومنعه من إقامة صلاة الجمعة في مسجد الإمام الصادق في الدراز. ليكون بذلك على رأس المستهدفين، في محاولة من حكّام المنامة لحصر نشاط رجال الدين في الفقه والحوزة، ومنعهم من تناول الشأن السياسي، والتأثير على الحراك المستمر منذ 2011.
ولحكّام المنامة حساباتهم الخاصّة، وعوامل أسهمت في إنضاج هذا القرار، وخصوصاً بعد إعلان قاسم «رفضه التام لقرار الحكومة بمنع جمع أموال الخمس، واستعداده لمواجهة الحكومة». فما كان من السلطات إلا مصادرة اموال الخمس (التي يُقال إنها بلغت 50 مليون دولار اميركي)، والبدء باستدعاء عدد من رجال الدين إلى مراكز التحقيق.
وحالما صدر خبر القرار، صدحت المآذن بالتكبير في منطقة الدراز، حيث يقطن قاسم. تجمّع المئات أمام منزله مرتدين أكفانهم البيضاء، إعلاناً منهم عن استعدادهم للموت دفاعاً عن رمزهم.
بدوره، قال رئيس «المجلس العلمائي» البحريني، السيد مجيد المشعل، «هذه عباءتي فلتسلّم لعائلتي كفناً... لا نريد العيش في وطن بلا آية الله قاسم».
وصرّح النائب السابق عن كتلة «الوفاق» النيابية، علي الأسود، بأنّ «الحكومة ارتكبت خطأ فادحاً والآن فرصتها للتراجع عن كل القرارات الجائرة التي اتخذتها، ظنّاً منها أن الشعب قد تعب وضعف وحان الوقت لأن يثبت لها عكس ذلك». وعن تبعات إسقاط جنسية الشيخ قاسم، رأى في حديث لـ«الأخبار» أنّ «تصريحاً بسطرين فقط من ضحية هذا القرار كفيل بقلب الموازين، ولا أحد يعلم ما قد يحدث في الشارع البحريني وقتها». وأكد أنّه «لدينا استراتيجيتنا ونفهم السقف المسموح به في البحرين وكل العالم يعرف أن هذا الحراك ليس حراكاً متفلتاً، إنما هو حراك منظم لأنه ينبع من الناس الذين تمرسوا في ميادين السلمية وما زادتهم المطالبات والتحركات التي لم تكن وليدة اليوم والبارحة إلّا صمودا وإرادة».
نور مريم الزين- الاخبار اللبنانية-