لا يبدو أن السلطات في البحرين في وارد التراجع عن إجراءاتها الأمنية الأخيرة التي بدأتها، لا سيما إسقاط جنسية المرجع الديني الأكبر لشيعة البلاد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم. على الأقل، هذا ما تشي به تصريحات مسئوليها والإجراءات المشددة المواكبة لها على الأرض.
ورغم ردود الفعل الواسعة التي عبر عنها قادة دوليون وإقليميون بمن فيهم حلفاء للنظام البحريني حول العواقب الإقليمية المحتملة لهذا القرار، إلا أن السلطات واصلت المضيّ في حملتها التي قال وزير خارجيتها خالد بن أحمد آل خليفة إنها تأتي "لحماية أمن الوطن ومكتسباته ومقدرات شعبه ولمنع الانزلاق إلى الفوضى والخراب".
فقد قامت قوة أمنية أمس الثلثاء (22 يونيو/ حزيران 2016) باقتحام مقرّ مكتب "البيان للمراجعات الدينية" غربي البلاد والذي تعود تبعيته إلى المرجع الديني آية الله قاسم.
وقال نشطاء واكبوا عملية دهم المكتب إنها قامت بتحطيم أقفاله وتفتيشه ومصادرة محتوياته. إضافة إلى دهم جميع الشقق في البناية التي يقع فيها والتي تعود ملكيتها لطلبة علوم دينية.
وتزامن مع ذلك انتشار آليات عسكرية للحرس الوطني ونزول عناصره في شوارع البلاد. في الوقت الذي تحدث شهود عيان عن مشاهدتهم قطعا عسكرية تعبر من السعودية إلى البحرين في خلال فترات المساء عبر منفذ جسر الملك فهد.
وأشارت تقارير متطابقة هذا اليوم الأربعاء (23 يونيو/ حزيران 2016) عن مباشرة السلطات فرض حصار شامل على منطقة الدراز، حيث يقطن المرجع الأعلى لشيعة البلاد.
وشوهدت قوات الأمن وهي تعيد الانتشار وتقوم بتركيب الحواجز الإسمنتية على جميع مداخل القرية لمنع تسرّب المحتجّين إلى داخلها.
وتحدث قاطنون في الدراز عن أن قوات الأمن التي انتشرت على الحواجز أخبرتهم لحظة مغادرتهم للقرية هذا الصباح بأنه لن يتم السماح لهم بدخولها حين عودتهم لها مرّة ثانية.
على الضفة الأخرى، لا يبدو معارضو قرار السلطات في وارد الانصياع لها. فقد واصل آلاف المحتجين بمن فيهم نساء وأطفال وشيوخ اعتصامهم جوار منزل آية الله قاسم وفي الأزقة المحاذية له. وحتى مع درجات الحرارة المرتفعة إلا أن الساحات المحيطة بمنزله تحولت إلى منصات اعتصام مفتوحة. إذ ظلّت تغص بالمعتصمين الذين أخذوا يقيمون الصلوات فيها ويتلون الأدعية ويتناولون وجبات الإفطار.
وبينما تراقب السلطات البحرينية تطوّر هذا المشهد لا سيما ردات الفعل الدولية والإقليمية، يهمس أكثر من طرف معارض بشأن تورّط حكومة الرياض في الحملة. وهو الأمر الذي يشجع السلطات على المضيّ في إجراءاتها مطمئنة إلى الدعم الذي تلقاه من السعودية.
ويقول نائب سابق عن جمعية "الوفاق" إن "الساعات القادمة مهمة في البحرين بخصوص آية الله قاسم وكذلك استمرار الحراك".
أما الرموز المعتقلون فقد أصدروا بيانا اليوم قالوا فيه إن "الوقوف موقف المتخاذل سيجرّ إلى مذلة و هوانٍ، وعندها لن يبقى أحد مصون الجانب محاطاً بالكرامة و الحرمة" على حد ما جاء في البيان.
هناك العديد من السيناريوهات المتداولة بشأن ما يمكن أن تؤول له تطورات الأوضاع. طبعاً ليس أحدها هو تراجع السلطات عن قرارها. إذ ما يزال ذلك أمراً بعيد المنال بحسب ما يمكن تنبؤه من السلوك المتشدد للسلطات. أهون هذه السيناريوهات يذهب إلى اكتفاء السلطات بتفريق المعتصمين من أمام منزل آية الله قاسم وعمل سياج أمني لمنع الناس من التجمع مرة ثانية. بينما يرسم نشطاء سيناريوهات أخرى أشدّ قتامة قد تطال ترحيله القسريّ أو فرض الإقامة الجبرية عليه لحين صدور قرار من المحكمة. إلا أنه لا شيء مؤكد بشأن ذلك. الساعات المقبلة وحدها كفيلة بإيضاح الصورة.
مرآة البحرين-