الخطوة التي أقدمت عليها السّلطات البحرينية هذا الأسبوع بسحب جنسية عالم الدّين الشّيعي الأبرز في البلاد، الشّيخ عيسى قاسم، على خلفية أنه كان يخدم مصالح أجنبية، تشكل استفزازًا خطيرًا. من المؤكد أنّها ستشعل التّوترات الطّائفية في المنطقة وستدفع باتجاه إثارة الاحتجاجات في الدّاخل. ويبدو أيضًا أنّها تشير إلى نهاية سنوات من خطوات غير كاملة من قبل أسرة آل خليفة السّنية باتجاه بناء مجتمع أكثر حرية، تكون فيه الأغلبية الشّيعية من السّكان، مُمَثلة على نحو أكثر عدلًا وتتمتع بالمزيد من الفرص الاقتصادية.
البحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، هي دولة دكتاتورية فاسدة، قال عنها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في العام الحالي إنّها "تسير في الاتجاه الصّحيح" في الإصلاحات السّياسية، وكذلك في مجال حقوق الإنسان. لم يكن هذا صحيحًا آنذاك. ويبدو الآن أقل صحة مما كان عليه عندئذ.
في جزء من حملة القمع التي شنّتها الشّهر الماضي ضد خصومها السّياسيين، علقت السّلطات البحرينية عمل الجمعية السّياسية الشّيعية الأبرز، الوفاق، ومدّدت فترة السّجن بحق زعيمها، الشّيخ علي سلمان، ومنعت النّشطاء من المشاركة في جلسات مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف، وأجبرت المعارضة البارزة، زينب الخواجة، على الذهاب إلى المنفى. أعادت أيضًا اعتقال المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب، وأعادته إلى السّجن حيث ينضم إلى قائمة طويلة من سجناء الرّأي الذي تم إسكاتهم بالاعتقال. الشّيخ عيسى قاسم هو واحد من 250 بحرينيًا جُرِّدوا مؤخرًا من حقهم في المواطنة.
بعد سنوات من القمع الوحشي، كانت مطالب المعارضة بالتّغيير تضعف، ولم يكن النّظام يواجه أي خطر مرتفع. ولذلك، ليس السّبب واضحًا وراء هذه الإجراءات الأخيرة، التي تشكل معًا الهجوم الأبرز على المجتمع المدني والمعارضة المعتدلة منذ عبور القوات السّعودية إلى البحرين في العام 2011 للمساعدة على قمع الاحتجاجات المتأثرة بالرّبيع العربي. منذ ذلك الحين، شنّ النّظام مرات عدة محاولات للحل السّلمي وقد وعودًا بالإصلاح السّياسي. لكن حلفاء البحرين في لندن وواشنطن لا يستطيعون الحديث الآن بصدق عن التّطور. فالقيام بذلك ينم عن محاولات خفيفة للتّهدئة.
وكذلك قد يشير إلى عودة أوسع إلى الوضع الذي كان قائمًا، عندما كانت الأنظمة الدّكتاتورية المدعومة من الغرب في المنطقة، تفترض بشكل خاطئ أنّها ستضمن الاستقرار. ونظرًا لمدى جهوزية تحول الإحباط إلى عنف، فإن هذه مقاربة قصيرة النّظر للشّرق الأوسط اليوم. إنّه أيضًا غير مستقر، نظرًا لخطر حصول مواجهة أوسع نطاقًا مع تعمق الانقسامات الطّائفية، وازدياد حدة التّنافس بين شيعة إيران والسّعودية، الدّاعم الأكبر للمملكة البحرينية.
خطر تطرف البحرينيين الشّيعة بديهي. فمع إغلاق نافذة التّعبير، وسجن شخصيات المعارضة، يضيق نطاق الاعتدال.
كما هو متوقع، فإن إيران، التي اتهمتها البحرين منذ فترة طويلة بالتّدخل في شؤونها الدّاخلية، أدلت بدلوها. وقد حذّر قائد الحرس الثّوري الإيراني الأسرة الحاكمة في المنامة من أنّها تخاطر بالتّسبب بالمعارضة المُسَلحة.
التّحول المقلق في الأحداث يهدد استقرار البحرين على المدى الطّويل. ويجب أن يٌقلِق هذا واشنطن ولندن. تريد المملكة المتحدة أن تتجنب المخاطرة بصفقة أجرتها مؤخرًا لتوسيع قاعدة بحرية ممولة من قبل الحكومة البحرينية.
ولطالما حاجج المسؤولون الأمريكيون بأن سياسة المشاركة تغضب المتشددين داخل النّظام وتشجع على الإصلاح. من الواضح أن الأمر ليس كذلك. على واشنطن إعادة فرض الحظر على مبيعات الأسلحة إلى البحرين، والذي كانت قد رفعته العام الماضي. وعلى بريطانيا أن تحذو حذوها. فمجرد إصدار بيانات القلق أمر غير مقنع أبدًا. وقد حان الوقت لاتخاذ تدابير أكثر صرامة.
((فاينانشيال تايمز))-