لا يستطيع وزيرُ الدّاخلية تمريرَ شهرٍ دون أن يُسبِغَ على نفسه بالأوساخ. هذه عادةٌ قبيحة تلازمه منذ سنوات خمس أو أكثر. المرضُ الخبيثُ الذي يطارده، ببطء، يجعله خبيثاً على الدّوام. حين يستنزفُ صندوقَه الخاص من الأكاذيب؛ يتّصل بإدارة الأوقاف الجعفريّة، ويأمر أحدَهم بالجلوس خلف مكتبه وتلاوةِ التعاويذ الخاصة باستحضار الشّياطين. انتظم الوزيرُ، مدة خمسة أشهر، في دورةٍ تدريبيّة حول الفقه الجعفري، واستعانَ برجل دين وهّابي انتدبه الوزيرُ نفسه للصّلاة على جثامين المرتزقة الذين يتّم التّخلّص منهم. في شهر مارس الماضي، أنّهى الوزيرُ ورشة عمل مكثّفة حول إثبات “بدعيّة” المذهب الشّيعي، وأجرى مباحثةً خاصة مع موظّف في إدارة الأوقاف حول شركيّات “ولاية الفقيه” ومشروع “الدّولة الكهنوتية” في البحرين. تشبّع الوزيرُ بجرعةٍ زائدة من الأوساخ. لم يستطع أن يصبرَ على نفسِّه الأمّارة بالقتل والإرهاب، وقال لمنْ حوله بأنّ الدّورَ الذي أُنيط به في يونيو ٢٠١١م “لا يتناسب مع مؤهّلاته الطّبيعيّة”. قال مثلَ ذلك في الخفاء – سابقاً – حينما استلم الوزارة في العام ٢٠٠٤م. أخبر المقرّبين آنذاك بأنّه جاء في “المرحلة الخاطئة”، وأنّه ينتظر – مثل القاتل المأجور – الوقتَ المناسب لينزع القناعَ عن وجهه، وليُطلق العنانَ للسانهِ وسنانه.. ولمرتزقته.
قبل أشهر قليلة، استلم الوزيرُ مكالمةً من محمّد بن نايف: “انطلقْ، خذْ راحتك”. انتعشَ الوحشُ الساكن في الوزير. كان أمرُ العمليات واضحاً، والمطلوبُ هو إطلاق النّار دون تردّدٍ أو رحمة. قدّم البريطانيّون صكّاً واضحاً بإبراء الذّمة، وأعطوا الوزيرَ كلّ إستراتيجيّات الحماية ومؤسساتها. هذه المرّة، لم يُقاتِل الوزيرُ البحرانيين بسلاح كاتم للصّوت. أرفقَ ذلك بأسلحةٍ مُستعارَة من بقايا “الشيعة المرتزقة”، وبفتاوى التكفير. أخذ الخلاصةَ المكتملة من عادل فليفل، ومحسن العصفور.
في العام ٢٠١١م؛ أصرّ الوزيرُ على إعادة فليفل إلى جانبه، وتلقّى أمراً مباشراً من رئيس الوزراء الذي عمّدَ فليفل في مجلسه علناً، وقال إنّ “موروث الغضْبَة” الذي تربّى عليه طيلة أربعين عقداً أو يزيد؛ يراه متكاملاً فيه بعد أن أطلقَ فليفل لحيته وتربّع على كرسي الإفتاء. كرّس الوزيرُ السنوات الأولى من الثّورة للاجتماع مع فليفل، والزّمرة المرافقة، في مبنى قريب من “القلعة القديمة”. اختار أقرب مكان للبقعةِ السّوداء التي شهِدت أفظعَ بطولات العقيد المتقاعد. كان الوزير صريحاً: “أريدك أن تكون شيخاً من أنياب وسخة”. وأضاف: “اعتبره عقْدَ عملٍ جديد، ولمدة محدودة”. أدّى فليفل دورَه كاملاً، وأُعطِيَ ما يريد ويتمنّى، مع اتّفاقٍ واضحٍ مسبقٍ على إعادة “تمييعه” خارج الوَحْل، وإظهاره وكأنه تمرّدَ على الأوامر.
الوسَخُ الجديد الذي طلى الوزيرُ به نفسَه كان يتطلّب تركيبةً مناسبة من “الفئة” الموازية. سنواتُ الإعدادِ التي خضعَ لها محسن العصفور كانت كفيلةً بإنزاله إلى الميدان الأكثر اتّساخاً، وإلى حين إلباسه زيّ المرتزقة مع رتبة “مأجور لكلّ المهمات”. يؤكدُ أحد العارفين أنّ “انتقاماً قاتِلا” جَمعَ بين العصفور وجوقة الجلاّدين الذين كانوا يحيطون مكتب الوزير. تسامروا كثيراً على كؤوسٍ مشتركة من الكراهيّة، وتبادل كلّ واحد منهم سرّه الفاحش، وتعاهدوا على تناقُل المنافِع، وأن يُغطّي كلٌّ الآخرَ. أثبت العصفور التزاماً تاريخياً للعهْد خلال حملة “الاستهداف الطائفي”، وفوجيء القتلةُ، ووزيرُهم، بفائض الأوساخ التي تجلْبَبَ بها وهو يُعادي كبرى العمائم في البلاد. زادُوه أكياساً من الأوساخ والوعدَ بكتمان أسرارَه المخزية، وعاهدهم بالمزيدِ من القيء والزعيق وإخراج القاذروات.
كلُّ ذلك لم يكفِ لإدخال الرّاحة عند الوزير. لازال يتطايرُ الشّوزن من عينيه المسقوفة بحقدٍ موروث من زمن الاحتلال. تلقّى لوْماً، قبل أيّام، لكونه فشلَ في إنجاز تفاصيل”الوعيد” الذي أوْدعه حاكمَ البلاد، ومنذ أغسطس ٢٠١٠م. قيل له بأنّ الحاكمَ كان أكثر إقداماً في إعلاء القتْل، والإمضاء على بياضٍ لحماية الأيدي الملطّخة بالدّماء. قيل له بأنّ الحاكمَ بات “يشكّ” في أشخاصٍ يعملون في مكتبه، ولاسيما أولئك الذين يمضون أوقات “السّهر” مع شيوخ من “الأوقاف الجعفريّة”. قيل له بأنّ هؤلاء فقدوا قدرتهم على تنفيذ المشروع “البندريّ”، وأن عليه أن يستبدلهم بآخرين من “وزارة الدّفاع”. أشعلَ ذلك امتعاضاً في قلْب الوزير. هو لا يزال يتذكّر السّخرية التي رماها في وجهه المشيرُ وحاشيته، حينما قال له بأنّك، وقوّاتك المتعدّدة الجنسيّات، أصبحتم “أهدافاً سهلة في مرمى أطفال سترة”. لم يستطع الوزير أن يردّ على المشير، واكتفى بالإمعان في استهداف سترة، بشبابها وأطفالها، بالقتل والتنكيل والملاحقة. لكنّ الوزير لا يُخفي الشّعورَ بالمرارة، وهو يضطّر في “الخلوات غير الشرعية” للإفصاحِ عن كم هائل من الحرمان المكبوت، والفشل المتراكم، والعجز الجسدي. يقول أحدهم أنّ جزءاً كبيراً من أهدافِ الحرب الجديدة ضدّ الدّراز وشيخها الجليل؛ هو أن الوزيرَ – وبالنيابة عن مشغليه في الرياض – يريد أن يقتصّ من كلّ ذلك، وهو يخوض هذه المعركة بنيّةِ “يا قاتل يا مقتول”.
نادر المتروك- البحرين اليوم-