يبدو أنّ قمع البحرين لحزب المعارضة الرئيسي الوفاق، وإسقاط الجنسية عن المرجع الشيعي الأعلى، يرسم نهاية لبرنامج الإصلاح الذي بدأته عام 2001، على الأقل حتى الآن. وهناك فرصة صغيرة أن تنجح حملة القمع في وقف الاضطرابات، وفرصة بنفس القدر أن تتسبب في اندلاع أعمال العنف، لكن النتيجة الأكثر ترجيحًا، هي استمرار الإضطرابات المدمرة للاقتصاد، بالإضافة إلى ما تلقاه البحرين من انتقادات من حلفائها.
ويتساءل المراقبون عن السبب الذي يجعل البحرين تتصرف بهذا الشكل المحير. أما الإعلام الغربي فيتناول ما يحدث بالبحرين بسطحية. فهم يصورون المواقف كأبيض وأسود، بعيدًا عن تعقيدات الأمر والانقسام الطائفي العميق في الجزيرة.
وتعد محصلة الثقافة السياسية في البحرين صفرية. فلا يوجد لدى البحرين نظامًا للمراجعات والموازنات وحماية حقوق الأقليات. كما أنه لا يوجد بها نظام ديمقراطي للحكم، بل يحكمها نظام الصوت الواحد والحاكم الأوحد، وهو نظام يعني أن جزءًا من المجتمع يحكم الجزء الآخر بشكل دائم. وبينما تسيطر العائلة الملكية على الحكم، يطالب الشيعة ببرلمان فاعل، وتنظر الأسرة الحاكمة لهذا الطلب على أنه خطوة لانقلاب الشيعة على الحكم. ولا يبدو أن هذا المطلب كافٍ لتحقيق الديمقراطية، فحزب الوفاق ذو المرجعية الطائفية، يلقى قمعًا شديدًا داخل الجزيرة. وعندما وصل الملك «حمد بن عيسى» إلى الحكم عام 1999، وعد بإصلاحات سياسية تتمثل في دستور وبرلمان جديدين، إلا أن ما وصل إليه بميثاق العمل الوطني عام 2001 هو قليل من السلطة للأغلبية الشيعية عما كان متوقعًا.
توجد العديد من الأحزاب الشيعية في الجزيرة، إلا أن أكبرها هو حزب الوفاق الذي يرأسه الشيخ «علي سلمان». وقاطع الحزب الانتخابات البرلمانية الأولى، لكنه عاد ودخل الثانية وما تبعها من انتخابات، وظلت فرص الإصلاح السياسي التدريجي موجودة قبل 2011 رغم بطئها.
ما بعد الربيع العربي
اندلعت تظاهرات ضخمة متأثرةً بالربيع العربي في 2011. طالب العديد بإصلاحات اقتصادية، بينما طالب بعض المتظاهرين بإسقاط النظام. وحاول ولي عهد البحرين التفاوض في البداية، إلا أن حزب الوفاق رفض العرض وأصر على وجود تنازلات كشرط مسبق، وبالنظر إلى الماضي، يظن كثير من قادة الشيعة أن هذا الرفض كان خطًا كبيرًا وفوت فرصة عظيمة، حيث تم احتواء تلك التظاهرات فيما بعد بمساعدة قوات من السعودية والإمارات فيما يسمى بقوات درع الجزيرة. ووعد الملك بسلسلة من الإصلاحات إلا أن أيًا منها لم يتحقق.
وتمت إقامة انتخابات برلمانية جديدة في 2014 حاول خلالها كل من النظام البحريني وبريطانيا والولايات المتحدة إقناع حزب الوفاق بالمشاركة، حتى أن حكومة البحرين ضغطت في هذا الأمر بختم بطاقات الهوية للمصوتين، حتى يخاف غير المصوتين من عدم وجود تلك الأختام ما يسبب لهم مشاكل فيما بعد في السفر وخدمات أخرى، إلا أن حزب الوفاق رفض دخول الانتخابات مع عدم وجود ضمانات بتنازلات سابقة، وقرر مقاطعة الانتخابات. وجلس العديد من الشيعة في المنازل، إلا أن الإقبال القوي أفشل المقاطعة، بالرغم من ضغط الوفاق على الشيعة لعدم النزول، مع وجود بعض العنف إلا أنه غير معروف إن كان عن طريق الوفاق أو جماعات شيعية أخرى. وتسببت نتيجة الانتخابات مع فشل المقاطعة في ترك الحزب أضعف مما كان عليه من قبل.
وازداد قمع النظام الملكي لحزب الوفاق بعد الانتخابات، وتم القبض على عد من قياداته ومن بينهم «علي سلمان»، ويبدو أن النظام قد وصل مع الوفاق إلى نقطة عدم جدوى المفاوضات، فاضطر إلى سلك مسلكًا آخر.
وخلال العام الماضي استمرت بعض التظاهرات في القرى الصغيرة، إلا أن الأحداث والعنف قد هدأت بشكل عام، رغم وجود بعض الحوادث المميتة. وتجددت المواجهة مرة أخرى في يونيو/حزيران 2016 حيث أغلقت الحكومة مقار الحزب وألقت القبض على الحقوقي «نبيل رجب» بدعوى نشر أخبار كاذبة، كما أسقطت الجنسية عن المرجع الشيعي الأعلى بالجزيرة الشيخ «عيسى القاسم»، كما تم رفع عقوبة السجن لـ«علي سلمان» من 4 إلى 9 سنوات.
وأصابت الحيرة الكثير من سكان الجزيرة مثلما حدث للمراقبين الأجانب عن سبب تلك الإجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة ضد الوفاق. فلم يكن هناك جديد بين الحكومة والحزب، ولا ضغوطات جديدة من الخارج. ولكن ربما تكون بعض العوامل وراء تلك الخطوات، مثل اقتصاد البحرين الذي يعاني من الاضطرابات الداخلية المستمرة.
وربما شجع البحرين تجاه تلك الخطوات الموقف الإقليمي المتصاعد في العداء لإيران ولاسيما من الجارة السعودية الداعمة الرئيسية للبحرين، فرأت حكومة البحرين أنه الوقت الأنسب للقضاء على المعارضة تمامًا.
يرى العديد من المراقبين الأجانب (وأنا منهم) أن مخاوف البحرين من إيران مبالغ فيها. ولكنها ليست مجرد وهم كما يعتقد البعض. ففي نهاية عام 2003 عندما كنت سفيرًا للولايات المتحدة في البحرين، رفعت المسيرات الشيعية أعلام إيران وصورًا لقادة إيران، وهو حدث يدعو للتساؤل عن ولاء المتظاهرين البحرينيين. إذًا فتخوفات البحرين من إيران قديمة ومستمرة، وأكدتها بيانات إيرانية مؤخرًا دعت إلى ثورة عنيفة في البحرين. ومنها بيان للجنرال «قاسم سليماني» قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الذي قال فيه: «إنّ انتهاك حرمة آية الله الشيخ عيسى القاسمي خط أحمر ستشعل البحرين والمنطقة، ولن تترك خيارًا للشعب البحريني سوى المقاومة المسلحة».
الموقف الأمريكي
يبدو أن الولايات المتحدة غير قادرة على اتخاذ خطوات تجاه القمع في البحرين، وربما هي غير متأكدة إذا ما كان يتعين عليها ذلك. ويطالب بعض المراقبين الولايات المتحدة بالتدخل للضغط على حكومة البحرين للإصلاح بتحريك أسطولها البحري إلا أن ذلك يتطلب نقل القاعدة البحرية الأمريكية، بينما تحتاجها الولايات المتحدة لدعم البحرية الأمريكية بالخليج العربي، ويتطلب نقلها أيضًا تكلفة تصل إلى مليارات الدولارات وهو الأمر الذي يبدو أن الكونجرس لن يوافق عليه. وربما يسأل أحدهم سؤالًا مشروعًا عن إذا ما كان على الولايات المتحدة أن تخاطر بالعديد من اهتماماتها الأمنية من أجل الضغط على حكومة صديقة وإن كانت ديكتاتورية لتغير من سياساتها الداخلية، وحتى إن كانت الإجابة بنعم فإن هذا الضغط لن يؤدي بالضرورة إلى النتيجة المرجوة.
انتقد وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» الإجراءات البحرينية مؤخرًا داعيًا الحكومة للتراجع عن إجراءات القمع الواقعة ضد المعارضة السلمية مؤكدا أن هذه الخطوات لن تؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي، إلا أن حكومة البحرين قد ردت على بيان «كيري» ببيان آخر رفضت فيه حديث «كيري» ووصفته بالتدخل غير المقبول في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين. وكان الأمين العام للأمم المتحدة وحكومات أوروبية أخرى قد أصدروا بيانات رافضة لتلك الخطوات أيضًا.
وتؤخر الإدارة الأمريكية حاليًا صفقة طائرات «إف- 16» كانت البحرين قد طلبتها بداعي وجود طلبيات أخرى لصالح الكويت وقطر، ولا يبدو أن هذه أداة ضغط، إلا أنها ربما تصبح كذلك. لكن من غير المحتمل أن يؤدي هذا الضغط إلى شيء، فالبحرين ومنذ سقوط «مبارك» والفوضى العامة منذ الربيع العربي، اقتنع الكثير داخل الأسرة الحاكمة أن الإصلاح هو الخطوة الأولى في طريق السقوط، فالانتقال السريع إلى الديمقراطية والانتخابات في بلد غير مؤهل أحزابها ولا شعبها لإدراك المراجعات والموازنات التي تحفظ للمجتمعات المختلفة حقوقها، ربما لا يؤدي للديمقراطية بل إلى الفوضى والفشل.
المستقبل المضطرب
ربما يؤدي الإغلاق الكامل للوفاق كحزب سياسي إلى نهاية مسدودة في طريق التسوية. وترسل الحكومة البحرينية بإسقاطها الجنسية عن الشيخ «عيسى القاسم» رسالة مفادها أنها لن تتراجع عن طريق القمع، فالاتهامات الموجهة للشيخ بالتحريض على العنف والإرهاب تبدو ملفقة، فيمكن اتهام الشيخ بالسعي لسيطرة الشيعة على الحكم، لكن لا أحد يمكنه أن يقول أن الشيخ «عيسى القاسم» يمارس العنف.
ليس من الواضح إذا ما تم مناقشة تلك القرارات داخليًا بشكل واسع في الأسرة الملكية، ويبدو أن الأصوات المعتدلة داخل الأسرة قد تم إسكاتها حتى الآن، والسبب غير معلوم حتى الآن. واستطاعت الحكومة البحرينية احتواء بعض الاضطرابات المماثلة في الماضي ببعض القمع، لكن هذا مختلف الآن مع العالم الإلكتروني، ومع وجود إيران في اللعبة. وظن البعض في الأسرة الملكية سابقًا أن بعضًا من المزايا الاقتصادية للشيعة سيجلب ولاء قادتها، إلا أن ما أفسد تلك النظرية، فساد الأسرة الملكية وانعدام المصادر الإقتصادية التي تمكن من شراء حل لهذه المشاكل.
وإذا كان الوضع لا يبدو أنه سيتجه للأسوأ، فإن إجراءات الحكومة لن تؤدي أيضًا لنتيجة إيجابية. فقمع جمعية الوفاق قد يدفع أنصارها إلى مزيد من التطرف، وبينما كان الوفاق ذو قيادة ضعيفة، إلا أنها كانت دائمًا صوتًا لعدم العنف عكس جماعات شيعية أخرى داخل المجتمع الشيعي. لذا، فليس من المفيد أن تزيل الصوت السياسي للشيعة من اللعبة.
إذًا، فمن الواضح أنه وعلى المدى القصير، فإنّ الوضع سيبقى على ما هو عليه من استمرار للموقف المتأزم. سيظل المتطرفين من الجماعات الشيعية يؤججون الاحتجاجات في القرى، وسيشمل الأمر بعض العنف، وهو ما ستواجهه الحكومة بقمع أكثر. وستستمر الاحتجاجات في سحب الإقتصاد البحريني إلى مزيد من الإنحدار، بينما سيعلو صوت المتشدين من الطرفين السني والشيعي، بينما ستحاول بريطانيا والولايات المتحدة إظهار انتقادهما لما يحدث مع الحفاظ على المصالح الأمنية لهما مع البحرين. إنّ هذا حقيقةً موقف مؤسف لبلد كانت في وقت ما هي رائدة التحرر السياسي والتعايش السلمي بين المجتمعات في منطقة الخليج.
بينما على المدى الطويل، فالفشل المحتمل لاستراتيجية القمع في إيجاد حلول لمشاكل البحرين سيؤدي بالأصوات المعتدلة في الأسرة الحاكمة في بذل مزيد من الجهد للسعي لحل سياسي. وسيتعين على الجماعات الشيعية المنقسمة أيضًا البدء بالبحث عن حل وسط ومقبول يحفظ حقوقهم ويؤدي إلى سلام المجتمع
أميركان إنترست - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-