يمرّ ما يجري في البحرين من فظائع وارتكابات مخالفة لأي قانون وأعراف محلية أو دولية، بصمت إعلامي منظَّم، ولا سيما من إعلام عربي صارخ باكٍ على قيم بعيد عنها في الواقع أصلاً، خاصة حقوق الإنسان والديموقراطية، والتعكُّز على ممارسات الأنظمة التي يطلق عليها مصطلحات مثل المستبدة والديكتاتورية، دون غيرها، بانحيازات مضحكة.
كما قام وروّج هذا الإعلام العربي لـ«مفكرين عرب» نظّروا لمقولة لو عدت اليوم من رصد تكرارها وحساب ترديدها وإعادة حلقات التغني بها لأصبحت أكثر من خطب النازيين ووزيرهم «المفكر» جوزيف غوبلز. أين هذه الوسائل الإعلامية والمنظِّرون العرب عمّا يجري اليوم في البحرين؟ ألم يسمعوا بما يحصل فعلياً؟ هل يحتاجون لمن يدلهم ويريهم ما يحصل كل يوم؟ أم أن ما يحصل لا يعنيهم؟ وهل البحرين بلد عربي أم خارج الوطن العربي ويخص آخرين غير الإعلام العربي ومنظِّريه ومفكريه؟ أسئلة كثيرة محزنة فعلاً ومخزية لهذا الإعلام ومفكريه. ما يحدث في البحرين يعرّي هذه الوسائل ويفضح توجهاتها ومموليها ومزويديها ومجهزي أخبارها ومنظِّريها، وعطب أخلاقها وفقدانها لأية مهنية أو موضوعية. وهي بكل الأحوال ليست جديدة على هذه الوسائل ولا هؤلاء المنظرين الذين لا أعرف الآن ماذا يقولون بعد أن يُخبّروا عن المقال. ما أدركه عنهم ومن كثرة ما سمعوا وقرأوا عنهم أصبحوا مثل القرود الثلاثة في السرديات المعروفة. غطت أحداث النظام الذي يقتل شعبه على كل مداركهم ومخزوناتهم النظرية، ولم تعد تلد لهم أفكاراً جديدة أو أخرى، عن أي بلد آخر أو أي مكان، حتى لو وقع خارج استوديوهاتهم أو مكاتبهم. عار... عار... أصبح هذا العنوان لكل تلك الوسائل ومنظريها ومفكريها المجددين أو المناضلين في أروقة المؤتمرات تحت سقوف «من يدفع للزمار؟».
اعتقالات يومية لرموز سياسية ومحاكمات صورية وقوانين قرقوشية واضحة، تكميم الأفواه، قمع الحريات، تعذيب وقتل في السجون، منع سفر وتظاهر واحتجاج سلمي وعلني... ولا شعرة تحركت لدى منظِّري ووسائل إعلام «الثورات» كما يقال، ولا كلمة نبست بها شفاههم. أليس مضحكاً حقاً أن تسمي تلك الوسائل برامجها أو تعنونها بكلمة الثورة؟ حتى هذا المصطلح يريدون تشويهه وتخريبه وإلغاء معناه، فهل حقاً هم مع الثورات، وبأي معنى؟ هل يؤمنون فعلاً بها أم للإعلام فقط؟
لم تدمع عيون مرتزقة الإعلام ذاك، على غلق أبواب جمعية سياسية اشتركت بانتخابات سابقة وفازت بنصف عدد النواب، ومن ثم إلغاء إجازتها ومصادرة أموالها، واعتقال كوادرها.
ماذا يعني هذا عند هذه الوسائل ومنظريها؟! وبعدها وقبلها أصدرت الحكومة قرارات إسقاط جنسية عن عدد غير قليل من أبناء البلد، وقرارات أخرى متابعة لمنع وتجريد العوائل من أي حق من حقوقها الاعتيادية... وتلتها الأحكام البوليسية الإرهابية التي تعكس أزمة الحكم ووسائل الإعلام ومرتزقتها. هذه وغيرها من الإجراءات الظالمة التي تتخذ أبعاداً سياسية واجتماعية وثقافية ودينية.
الشعب في البحرين يواصل كفاحه الوطني من أجل الإصلاح والتغيير لحدّ اليوم بسلمية، أجل بسلمية، ويتحمّل بصبر وإصرار اضطهاد الحكومة الجائرة وممارساتها الوحشية، ووسائلها التسلطية والتعسفية في سبيل وضع البلد على سكة العمل السياسي الوطني. إلا أن تبعية السلطات وتخلفها دفعاها إلى تخريب تلك الخطوات والارتداد عنها ومواجهة الحراك الشعبي بالعنف وبيع البلاد لقوات احتلال بشكل صارخ، فضلاً عن الأسطول الأميركي والقاعدة البريطانية.
حتى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ولو لفظياً، أدانتا قرارات حكومة البحرين حول تجريد رجل الدين آية الله عيسى قاسم من جنسيته وإيقاف نشاط جمعية الوفاق الإسلامية المعارضة، واعتقال الناشط الحقوقي نبيل رجب. فهل اهتزت لهذه الوسائل ومنظرّيها «شنبة»؟!
ليس آخر إجراءات الحكم المستبد غلق المساجد والحسينيات واستدعاء علماء الدين وحجزهم في المعتقلات ومراكز التحقيق، بل تسعير الطائفية وتعميقها بأساليب تعسفية وقمعية ترقى إلى الإبادة والتطهير، وهو ما أشارت إليه منظمات حقوقية وطنية ودولية، ما اضطر علماء الدين في البحرين بعد تفاقم الأزمة واستفحال القمع والعسف، إلى إصدار بيان يدين تصرفات الحكومة وانتهاكاتها المدوية. جاء في البيان (7 آب/ أغسطس 2016): الاستدعاءات المكثفة والتوقيف والحبس والتهديد والتعدِّيات المهينة لعلماء الدين ووكلاء المراجع العظام والخطباء وأئمة الجمعة والجماعة والرواديد الدينيين والنشطاء الأحرار، كل ذلك بغرض كسر إرادة الشعب في حماية وطنه ودينه. إن الإرادة الشعبية التي لم تلن طوال خمس سنوات رغم كل الإرهاب الرسمي الهائل بشتى صنوفه هي إرادة لا يزال النظام غير فاهم لها بعد، ولا يزال يعيش الوهم في قهرها وتركيعها بأساليبه الإرهابية التي أثبتت فشلها طوال هذه السنين التي لم تثمر سوى المزيد من الإصرار والثبات على المطالب المحقّة العادلة.
أحرار العالم وبعض المنظمات الدولية نددت بسلوك الحكومة وأدانت قراراتها المنتهكة لأبسط حقوق الإنسان، كذلك بينت في بيانات أو تصريحات لمسؤولين فيها، وكل هذا وأغلب الإعلام العربي خارج عن تغطيتها، ولو ضمن الأخبار العامة أو إشارة لها، احتراماً لإنسانية الضحايا وتنبيهاً للمستبدين والديكتاتوريين الذين أفرغوا قنواتهم ومفكريهم لـ»التصدي» لهم. إن ما يحصل في البحرين وصمة عار على الحكومات والإعلام الصامت ومفكريه ومنظريه الذين كشفتهم هذه الأحداث ووضعتهم أمام ارتباطاتهم والوقائع والحقائق الدامغة وعرّت تنظيراتهم المخادعة ووظيفتهم التضليلية.
كاظم الموسوي- الاخبار اللبنانية-