متابعات-
حالة من الذهول والحزن تنتاب ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عقب مطالبات النيابة السعودية القضاء بإعدام الداعية سلمان العودة المُحبب إلى نسبة شبابية كبيرة في مختلف دول الوطن العربي.
العودة الذي غيبته السجون منذ 10 سبتمبر من العام 2017، بعد أن اعتقلته السلطات السعودية تعسفياً، ووضع في زنزانة انفرادية، ضمن حملة توقيفات شملت عدداً من العلماء والكتّاب، طالبت النيابة العامة السعودية القضاء بإعدامه (القتل تعزيراً)، الأربعاء (6 مارس 2019).
وكانت وُجهت إليه 37 تهمة خلال جلسة عقدتها المحكمة الجزائية المتخصّصة في العاصمة الرياض، سابقاً.
العديد من المتابعين للعودة عبر السنوات الماضية دافعوا عنه وطالبوا بالإفراج عنه، نافين التهم المنسوبة له، وغردوا عبر وسم "العودة في خطر". كما انتشرت العديد من الوسوم المساندة له منذ اعتقاله.
صحف سعودية بينت أبرز التهم الموجهة للعودة، ومنها ما يدين مسيرته في حياته، التي ألهمت وأثرت في عدد كبير من الشباب، وأثمرت عقولاً نيرة، بحسب جمهوره.
ومن أبرز التهم الموجهة إليه، بحسب ما ذكرت سابقاً صحيفة "سبق" السعودية: "الإفساد في الأرض؛ بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن، وإحياء الفتنة العمياء، وتأليب المجتمع على الحكام، وإثارة القلاقل، والارتباط بشخصيات وتنظيمات، وعقد اللقاءات والمؤتمرات داخل وخارج المملكة لتحقيق أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي ضد الوطن وحكامه".
واتُّهم العودة بـ"دعوته للتغيير في الحكومة السعودية، والدعوة للخلافة بالوطن العربي، وتبنيه ذلك بإشرافه على (ملتقى النهضة) يجمع الشباب كنواة لقلب الأنظمة العربية وانعقاده عدة مرات في عدة دول بحضور مفكرين ومثقفين، وإلقائه محاضرات محرضة".
ووُجهت له تهمة بـ"دعوته وتحريضه للزج بالمملكة في الثورات الداخلية، ودعم ثورات البلاد العربية من خلال ترويجه مقاطع تدعمها، ونقل صورة عمَّا تعانيه الشعوب، واستثماره الوقت بالتركيز على جوانب القصور بالشأن الداخلي، وإظهار المظالم للسجناء وحرية الرأي".
واعتُبر انضمامه إلى تجمعات واتحادات علمية دينية تهمة، واعتُبرت "مخالفة لمنهج كبار العلماء المعتبرين، وتقوم على أسس تهدف لزعزعة الأمن في البلاد والوطن العربي، ودعم الثورات والانشقاقات، والصمود ضد الحكومات، والانضواء تحت قيادة أحد المصنفين على قائمة الإرهاب (يوسف القرضاوي)، وتوليه منصب الأمين المساعد في الاتحاد".
واتُّهم بـ"تأليب الرأي العام وإثارة الفتنة وتأجيج المجتمع وذوي السجناء في قضايا أمنية، بالمطالبة بإخراج السجناء على منصات إعلامية".
ومن بين تلك التهم الموجهة للعودة "حيازته صوراً للدكتور يوسف القرضاوي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتدخله في شؤون مصر، وتنصيب نفسه مفتياً لجماعة الإخوان، ورفضه وصفها بمنظمة إرهابية"، بحسب نص التهم التي أوردها الإعلام السعودي.
وكان من بين التهم أيضاً ما يتعلق بالأزمة الخليجية، حيث ورد أن للعودة علاقات مع الدوحة، واعتراضه على بيان دول حصار قطر، "وبث معلومات مغلوطة عن المقاطعة".
واتهم بوجود علاقة له مع النظام الليبي السابق. واتهم أيضاً بالدعوة لجمع التبرعات ودفعها للثورة السورية والتحريض، على الرغم من أن السعودية كانت تدعم الثوار السوريين على الأرض وتمدهم بالمال والسلاح.
حياة العودة
وبالعودة إلى حياة العودة، ففي التسعينيات بدأ الشيخ حياته العملية بالتدريس، حتى أقيل من إحدى الجامعات بسبب مواقفه السياسية، ومنذ ذلك الحين دشن رحلة مليئة بالعلم انتهت بتغييبه بالسجون، دون أن تفلح في طمس مسيرة مثمرة أو تغييب حاضنته الشعبية الكبيرة.
مواقف كثيرة تُعرف لهذا الداعية، وتستطيع من خلالها استنباط أفكاره وآرائه، وتعرُّف شخصيته.
وبدأ العودة حياته العملية مدرساً في المعهد العلمي ببريدة، وعمل معيداً ثم أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود بالقصيم، التي أقيل منها عام 1994.
وكان يعتبر من أكثر علماء الدين المسلمين استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام وسناب شات، ويحظى بمتابعة مئات الآلاف من مستخدميها.
وشارك في العديد من الجلسات الشبابية، وأعطى المحاضرات، وحاور بالندوات. وتنوعت مجالاته، مُركزاً على التفكّر والتأمل واستنباط المعاني، والتجديد بالفهم والعمل.
وولد العودة في 14 ديسمبر عام 1956 بقرية البصر التابعة لمدينة بريدة (منطقة القصيم) وسط السعودية، وقضى جزءاً من طفولته هناك، ثم انتقل إلى بريدة لمتابعة تعليمه.
وفي صباه الذي كان في قرية بريدة، حفظ العودة القرآن ثم الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، ومتن الآجرومية، ومتن الرحبية، وقرأ شرحه على عدد من المشايخ، وحفظ بلوغ المرام في أدلة الأحكام، ومختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري، ومئات القصائد الشعرية المطولة من شعر الجاهلية والإسلام وشعراء العصر الحديث.
وحصل على ماجستير بالسُّنة في موضوع "الغربة وأحكامها"، ودكتوراه بالسُّنة بشرح بلوغ المرام/كتاب الطهارة، وكان من أبرز من أطلق عليهم مشايخ "الصحوة" بالثمانينيات والتسعينيات.
مطالبات بالإصلاح واعتقالات
وللشيخ محطات في حياته للمطالبة بالإصلاح ضمن الإطار الإسلامي؛ ففي مايو 1991 كان "العودة" من بين الموقِّعين على خطاب المطالب الذي شمل المطالبة بإصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية وإعلامية.
واشتهر أكثر بعد نقده التعاون مع الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية؛ فقد تولى حينها جمع توقيعات العلماء على بيان يرفض أن تطأ أقدام الجنود الأجانب أرض الجزيرة العربية، ونادى بذلك في إحدى خطبه؛ ما تسبب باستدعائه للتحقيق أكثر من مرة.
وفي سبتمبر 1993، مُنع العودة من إلقاء الخطب والمحاضرات العامة، واعتُقل بأغسطس 1994 ضمن سلسلة اعتقالات واسعة شملت رموز "الصحوة"، وقضى بضعة أشهر من فترة اعتقاله بالحجز الانفرادي بسجن الحائر، وأُطلق سراحه بأبريل عام 1999. وبعد الإفراج عنه سُمح له بإلقاء المحاضرات الدعوية بعيداً عن السياسة.
5 سنوات من الاعتكاف عَزلته عن تأثير الجموع، ومنحته الحرية ونقلته من الضيق إلى السعة ومن الانكفاء عن الحياة إلى رؤية وقراءة الجانب الإيجابي للآخرين.
وكان أغلى شيء بالنسبة له هو الحرية "التي لا يريد أن يصادرها لا حاكم ولا تابع". وأعظم ثوابته إيمانه الراسخ بالله عزّ وجل، وحبه له وحسن ظنه به، حسب قوله.
وعن يومياته في السجن، قال العودة في كتابه "طفولة قلب"، الذي نسج فيه سيرته الذاتية: "كنا نقرأ في اليوم الواحد إلى ما يقارب 16 ساعة، واحد يقرأ والآخر يستعد للنوم، ويظل الآخر يقرأ حتى ينام صاحبه. وكان الخفير يستأذن منا إذا رغب في الدخول لعلمه بأهمية الوقت بالنسبة إلينا. حفظت القرآن الكريم وصحيح مسلم، وقرأت كمّاً كبيراً من الكتب بجميع المجالات".
وفي مرحلة ما بعد السجن، باتت الدعوة إلى "الوسطية الإسلامية" تحتل حيزاً هاماً في خطب "العودة" ومحاضراته، حتى صار يُنظر إليه على أنه أحد أهم رموزها بالسعودية. وقد عبَّر أكثر من مرة عن رفضه التطرف والغلو، ومعارضته تيارات العنف بالعالَمين العربي والإسلامي.
برامج شبابية
وشملت مسيرته الدعوية العديد من البرامج الهادفة، وأطلق قناة خاصة له على يوتيوب باسم "DrSalmanTv"، قدّم فيها برنامجاً بعنوان "وسم"، كما أُنشئت قناة فضائية تحمل اسم "سلمان.تي.في".
وفي برنامج "نور"، شاركَنا رحلاته مع المكفوفين بالسودان، وجعل جمهوره يرى بعيونهم، ويسمع بآذانهم، ويعرف أفكارهم، وقربهم من عالمهم، وحاورهم وجعلهم يعبرون عن هذا العالم.
"العودة" بحث اقتفاءً لأثر المعاني، وألهم كل مظلوم يُعاني، ودلّ على الطريق بـ"كلا إن معي ربي سيهدين"، وتساءل "هل أنت في داخلك فرعون صغير؟".
وفي برنامجه "علَّمني موسى"، حكى القصص والحكايا، وسرد من مواقف سيدنا موسى- عليه السلام- مع فرعون بمصر ما يُعلّم ويترك الأثر.
أما في برنامج "آدم"، فذكر أول ذنب لسيدنا آدم عليه السلام، وشقَّ للنور مَخرجاً بالقلوب، للتوبة والقرب من الله، وعاد بسيرة الخلق الأولى.
لا تنسَ العهد
وفي "أكملي الحكاية"، لم ينسَ العهد، معبرِّاً عن الوفاء، بعد وفاة زوجته هيا السياري في 25 يناير 2017، وابنه هشام بحادث سير. وكان يعرف أن زوجته تحب الشروق، فسأل إن كانت الشمس تشرق من جهة قبرها، فأجابوا بـ"نعم". فوضعها من جهة الشروق، وكان يعرف أن ابنه يخاف من الطرف، فوضع قبره في الوسط.
وبالمكان ذاته الذي تركه بحضرة زوجته، جلس بعدها يتذكرها، لم ير الموت فاصلاً بينهما، وذكرها بالخير دائماً، ورثاها ذاكراً حبه إياها. وحاول أن يعوّض دفء الأم لأبنائه، وتساءل: "كيف للأب أن يعوض دفء الأم؟"، لتموت الأم، ويُعتقل بعدها الأب.
وبعد مغادرة زوجته إياه، وصف بطء الأيام في غيابها بكلمات قليلة أوصلت عمق المحبة بينهما، ودفء المودة، وجمال العلاقة التي جمعتهما.
حُريّة
وفي وسم "نعم أتغيّر"، ردَّد دائماً: "اهدنا الصراط المستقيم"، وتساءل: "لماذا لا أتغير؟!"، معرِّفاً التغيير بأنه التعلُّم الذي يساعد على مواكبة الجديد، والانتقال من التبعية والتقليد إلى الاستقلال والاجتهاد، والاستجابة للفطرة حيث الكون كله يتغير، مبيناً أن "الرأي البشري يتجدد".
ولـ"العودة" أكثر من 60 كتاباً، آخرها: أطفال في حجر الرسول، لماذا نخاف من النقد؟، الفيلسوف الرباني، التفسير النبوي للقرآن، سلطان العلماء، الغرباء الأولون، هموم فتاة ملتزمة، مع الله، بناتي، شكراً أيها الأعداء، طفولة قلب، مع الصيام، ولا يزالون مختلفين، لو كنتُ طيراً، أسئلة الثورة، كيف نختلف؟، حوار هادئ مع الغزالي، أنا وأخواتها، زنزانة، وعلمني أبي.
وجدير بالذكر أن اعتقال العودة جاء بعد صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان، حيث حجَّمت السلطات السعودية دور الدعاة المعروفين بوسطيتهم بين مجتمع الشباب العربي، ومنهم علي العمري ومحمد موسى الشريف وعوض القرني.
وحينها أعلن الشيخ عائض القرني ما سماها "حالة الطلاق" مع السياسة، وأكد أنه لن يتطرق في تغريداته إلى الشأن السياسي مطلقاً، كما لم يتطرق حتى الآن إلى أي من التغيرات بالمجتمع السعودي، وهو ما أبعد عنه القبضة الأمنية.
وليس القرني فحسب؛ بل أيضاً الشيخ عادل الكلباني ومحمد العريفي وغيرهما ممن تُظهر تعليقاتهم وتغريداتهم على "تويتر" التودد والتقرب إلى ولي العهد ومباركة سياسة "الانفتاح" داخلياً وخارجياً، أو عدم نقدها بأي شكل من الأشكال، وتأييدهم في كثير من الأحيان ما كانوا ينكرونه قبل تولي بن سلمان هرم القيادة بالبلاد.