الخليج الجديد-
بعد 50 عاما على كرسي الحكم، أعلنت عمان وفاة سلطانها الأطول حكما بين الزعماء العرب "قابوس بن سعيد" عن عمر ناهز 79 عاما، بعد صراع مع المرض، وذلك دون تسمية وريث للعرش، وسط تكهنات حول مستقبل كرسي السلطنة.
وتشير سيرة "قابوس بن سعيد" إلى رجل اختار الإصلاح الداخلي طريقا إلى هدوء كان ينشده في السلطنة، ومضى في خطه الهادئ هذا ليحكم حتى علاقاته الخارجية، لتتحول معه مسقط إلى مكان معزول نسبيا عن صخب التوترات الإقليمية، وإن كانت الحقائق تكشف عن لعب السلطنة أدوارا مهمة في الإقليم، ولكن وفقا لاستراتيجية "كاتم الصوت".
عندما تولى "قابوس بن سعيد" حكم سلطنة عمان عام 1970، لم تكن الأجواء المحيطة احتفالية، بل كانت مليئة بالتوتر والهزات العنيفة، بعد ازدياد القلاقل في السلطنة وتطورها إلى تمرد مسلح ضد حكم والد "قابوس"، "سعيد بن تيمور".
كان "بن تيمور" يتعامل بحماس قليل مع مسألة التنمية والتحديث في السلطنة، نظرا لقلقه من الحداثة كمفهوم وتطبيق في تلك الفترة الحساسة التي كانت تمر بها المنطقة، لذلك فإن تحرك "قابوس"، الذي درس في أكاديمية ساندهرست العسكرية البريطانية جاء حاسما، فنفذ "انقلابا أبيضا" داخل القصر واستلب الدفة من يد والده دون دماء، بمساعدة بريطانية، وكانت هذه أولى الإنجازات في حد ذاتها، نظرا لارتفاع صوت السلاح في مناطق عمانية ضد "سعيد بن تيمور" وعائلته، خاصة في محافظة ظفار، جنوبي السلطنة.
وبالفعل بدأ "قابوس"، بعد توليه الحكم، في خطة إصلاح واسعة تضمنت بناء مدارس ومستشفيات.
وتشير المعلومات إلى أنه عندما تولى "قابوس بن سعيد" كان في عمان ثلاثة مدارس فقط، بينما بلغ مستوى الأمية 66% في وقت كان فيه البلد الخليجي من أفقر البلدان في المنطقة.
وحسب مجلة "بيزنس توداي"، فقد ارتفع الناتج المحلي العماني من 256 مليون دولار عام 1970 إلى أكثر من 80 مليار دولار، مؤخرا.
ولد السلطان "قابوس" في صلالة، بمحافظة ظفار عام 1940، وهو سليل أسرة "البوسعيد" التي تحكم عمان منذ عام 1744.
درس "قابوس" في أكاديمية ساندهرست البريطانية وهو في العشرينيات من عمره ثم عاد إلى عمان.
تزوج السلطان "قابوس" لفترة قصيرة ولم ينجب أبناء وهو ما أدى إلى وجود غموض في مسألة خلافته.
احتفظ "قابوس" خلال فترة حكمه برئاسة الوزراء وحقائب الدفاع والمالية ومنصب محافظ البنك المركزي.
وبلغت فترة حكم السلطان "قابوس" نحو 50 عاما وهي أطول فترة حكم لملك أو رئيس عربي.
وخلال عمله على توسيع مصادر الاقتصاد العماني، نجح "قابوس" في احتواء ثورة ظفار المسلحة في السبعينيات من القرن الماضي، والاحتجاجات التي وقعت في عمان عام 2011 تزامنا مع ثورات "الربيع العربي".
استخدم "قابوس" عائدات السلطنة، التي جاءت من بيع مليون برميل نفط يوميًا في المتوسط، لصالح مشروعٍ تنمويٍ واسع النطاق، كما نفذ سياسة خارجية محايدة تعكس موقع السلطنة الاستراتيجي وضعفها النسبي.
وقد احتفظت عمان، في عهد "قابوس"، بعلاقات جيدة مع كل من السعودية وإيران الغريمتين في الخليج، وانتجهت سياسة "صديق الجميع" للتركيز على العلاقات التجارية مع البلدان.
ولعبت عمان دورا في الاتفاق النووي بين إيران والغرب الذي وقع عام 2015، حيث استضافت محادثات سرية بين مسوؤليين أميركيين وإيرانيين عام 2012 أدت إلى البدء بمفاوضات الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس دونالد ترامب لاحقا.
وكان لمسقط أيضا دور في محاولة جلب أطراف الصراع في اليمن إلى طاولة المفاوضات.
واحتفظت عمان بموقف محايد خلال الأزمة الخليجية الأخيرة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى.
عانى السلطان "قابوس" من مرض عضال منذ عام 2014، وهو ما طرح تساؤلات بشأن مسألة خلافته.
وهناك نحو 85 شخصا من عائلة "البوسعيد" يحق لهم خلافة السلطان قابوس على عرش عمان.
ولحسم مسألة خلافته، حدد السلطان "قابوس" طريقة لاختيار الخليفة، وهي إعطاء مهلة ثلاثة أيام لمجلس الأسرة الحاكمة لاختيار السلطان الجديد.
وفي حال عدم اتفاق الأسرة الحاكمة خلال الأيام الثلاثة، يفتح مظروف مغلق حدد فيه "قابوس" خلافته.
ولطالما أثيرت تكهنات عن أي الخليفة سيكون أحد أبناء عمومته الثلاثة، وهم "أسعد" و"هيثم" و"شهاب بن طارق بن تيمور آل سعيد".
ولم يفصح السلطان عن اسم خليفته خشية أن يؤدي ذلك إلى تقليص نفوذه أو أن تسعى قوى خارجية لاستمالته.