لا يزال المؤتمر الذي عقد في الشيشان الأسبوع الماضي حول تعريف «أهل السنة والجماعة» يتفاعل في الأوساط الإسلامية في لبنان والعالم العربي.
فـ «المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين» الذي افتتحه شيخ الازهر الدكتور أحمد الطيب، وعقد في العاصمة الشيشانية غروزني، أثار ردود أفعال مختلفة بين مؤيد ومدافع عنه وعن المواقف التي أطلقها لمواجهة التطرف، خصوصاً لجهة تحديد من هم «أهل السنة والجماعة»، وبين معارض ومهاجم بحجة انه يستهدف الجماعات السلفية والسعودية و «جماعة الإخوان المسلمين». وقد استندوا في ذلك إلى كلام الداعية الإسلامي الحبيب بن علي الجفري، وهو أحد الداعين إلى المؤتمر (والمشرف على «مؤسسة طابا» ومركزها في الإمارات. إذ كشف الأخير عن أن الخطوة المقبلة بعد المؤتمر تتمثل في عقد مؤتمر جديد تحت عنوان «منطلقات التكفير السبعة»، التي «بني عليها فكر القطبيين ـ سيّد قطب ـ ومن تفرع عنهم من القاعدة وداعش». وهذه المنطلقات هي: «الحاكمية، الجاهلية، الولاء والبراء، الفرقة الناجية «العصبة المؤمنة»، الاستعلاء، حتمية الصدام، الخلافة والتمكين».
وأكد الجفري أن ما سبق هي «مصطلحات نُحت غالبها من كلمات وردت في الوحيين ولكنها حرفت في دلالاتها».
والجدير ذكره أن شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب ومفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة وشخصيات اسلامية اخرى كانوا قد شاركوا بمؤتمر الشيشان، وقد أثارت مشاركتهم ردود فعل سعودية حادة بسبب عدم شمول تعريف «اهل السنة والجماعة» الصادر عن المؤتمر للسلفيين والحركة الوهابية.
بدوره، شن رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» (القريب من «الاخوان المسلمين») الشيخ يوسف القرضاوي حملة على المؤتمر ووصفه بمؤتمر ضرار، على غرار مسجد ضرار الذي اقامه المنافقون ايام الرسول محمد. علماً ان الشيخ القرضاوي كان قد مدح المؤتمر ووجه له كلمة خاصة اشاد فيها بالشيشان ورئيسها.
وكان كتّاب ونشطاء سعوديون شنوا هجوماً عنيفاً على المؤتمر لاستثنائه السلفية «الوهابية» من قائمة المشمولين بصفة أهل السنة، واعتبروه مؤامرة روسية عليهم ونشروا اكثر من 100 الف تغريدة ضد المؤتمرين!
ودعا الكاتب السعودي محمد آل الشيخ إلى ترك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «ليواجه مصيره» بسبب قرار مشاركة شخصيات مهمة من مصر في المؤتمر.
وقال آل الشيخ في تغريدات على «تويتر» إن «مشاركة شيخ الازهر في مؤتمر غروزني الذي أقصى المملكة من مسمى أهل السنة يحتم علينا تغيير تعاملنا مع مصر فوطننا أهم ولتذهب مصر السيسي إلى الخراب».
في المقابل، حاول شيخ «الأزهر» استيعاب الحملة السعودية عليه فأصدر المكتب الإعلامي لـ «الأزهر» بيانا توضيحياً حول موقف الطيب من المؤتمر، غير أن التوضيح لم يوقف الغضب السعودي.
وأفاد البيان «أن الطيب نص خلال كلمته للأمة في هذا المؤتمر على أن مفهوم أهل السنة والجماعة يطلق على الأشاعرة، والماتريدية، وأهل الحديث (اي اهل السلف)».
وفي بيروت، اعلن «تجمع العلماء المسلمين» وشخصيات اسلامية اخرى دعمهم للمؤتمر ونتائجه، في حين لم يصدر بيان واضح من بقية القوى والتيارات الاسلامية من المؤتمر.
وكان الطيب قد افتتح المؤتمر الذي انتهى بتوصيات أبرزها أن «أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى». وأعلن المؤتمر «عن التعاون مع جامعة الازهر وجامع الزيتونة وجامع القيروان لمواجهة التطرف واستثنى المؤسسات العلمية والدينية السعودية من هذا التعاون».
ومن المتوقع أن تزداد الحملات على الجفري في حال تابع نشاطاته في مواجهة الفكر الإخواني القطبي وعقد مؤتمرات جديدة لأهل السنة والجماعة. وقد عمد بعض الكتّاب الاخوانيين الى بدء حملة للدفاع عن سيد قطب و«الاخوان المسلمين» استباقاً لاي نشاطات أخرى.
إذن ستكون الساحة الإسلامية أمام معركة فكرية ومذهبية جديدة داخل الساحة السنية في موازاة التصعيد القائم بين ايران والسعودية على خلفية الموقف من اداء فريضة الحج ، ما يعني اننا سنواجه ازمات اسلامية اخرى داخل المذاهب نفسها في المرحلة المقبلة.
قاسم قصير- السفير اللبنانية-