قلّما يتم التركيز في الإعلام العربي على أن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي هزّت بقوةٍ الوعي الجمعي الأميركي، وأصابت المؤسسات في أميركا بالعمق، كانت من ضمن أسباب إصرار الرئيس باراك أوباما على إبرام الاتفاق النووي مع إيران. لقد كان الغضب من إرهاب «القاعدة»، الذي غيّر كثيراً في أميركا، حاضراً في خلفيات الانفتاح الأميركي على إيران ومســـوّغاته، ولم تنـجح يومها الـ 14 عاماً التي مرتْ على تلك الأحداث في تقليص تأثير هذا المعطى في وعي إدارة أوباما ومؤسسات القرار الأميركية التي راهنتْ (من دون أي مؤشرات صائبة حتى الآن) على أنّ الصفقة النووية ستغيّر المنطقة وستغير إيران من الداخل، وستقوّي الأجنحة المعتدلة في إيران، وأنّ الأجيال الإيرانية التي ستجيء عقب وفاة المرشد علي خامنئي ستكون أكثر استعداداً للانفتاح على الغرب وامتثالاً للقواعد الدولية.
ومع الذكرى الخامسة عشرة لتفجيرات 11 أيلول الإرهابية، لا يزال عرب ومسلمون يجادلون في شأن الإرهاب وعدم حصريته في الجانب السُنيّ، وذلك في ظل وجود ميليشيات وجماعات طائفية متورطة في الإرهاب الشيعيّ مثل «الحشد الشعبي» و«أبو الفضل العباس» و«النجباء» و«حزب الله» وغيرهم، لكن يغيب عن هذا الجدال أنّ «ميزة الإرهاب» الأخير و«أفضليته» أنه يبقى محصوراً في داخل المنطقة العربية في ظل صراع واستنزاف سنيّ - شيعيّ، وأنه لم يتحوّل، منذ أحداث أيلول، بسبب ضبطه من جانب دولة مركزية وعدم انفلاته، إلى الدول الغربية والمصالح الأجنبية لتلك الدول، كما هي الحال في إرهاب «القاعدة» و«داعش».
ولا يُعرف ما إذا كانت «الميزة» في الإرهاب الأخير هي ما يمنع الرئيس الأميركي من أن يساوي بين الإرهابيَن، كما يريد المعتدلون من أهل المنطقة، بل العكس، فقد ظهر أوباما في عديد مقابلاته الصحافية الصريحة في العامين الأخيرين مثنياً على إيران بأنها «دولة إقليمية كبرى، وأنها أكثر استراتيجية ولا عاطفية، ولها نظرة عالمية، وتقدّر مصالحها؛ وتحسب الربح والخسارة، ولا تحمل رغبة الانتحار، وتتفاعل مع الحوافز».
على أيّ حال، أميركا في النهاية دولة عظمى، ولا غنى عنها لأي دولة كبرتْ أم صغرت، وبدلاً من استدعاء «المؤامرة» لتفسير ما نراه ارتباكاً وأخطاء أميركية في المنطقة، بخاصة في العراق وسورية، من المهم متابعة الجهود العربية في إدانة الإرهاب من دون أي استثناءات أو تبريرات، ومحاربته أمنياً وفكرياً في الداخل والخارج من دون هوادة؛ لأنّ غالبية ضحايا ما يُوصف بـ «الإرهاب السنيّ» هم من المسلمين السنّة، وهؤلاء الأخيرون، في غالبيتهم، يلاحقون «القاعدة» و»داعش» ولا رغبة لديهم في الانتحار، وليسوا هم من يستضيف قيادات في «القاعدة»، بل النظام في إيران.
الخطير أن «التمييز» الغربي في إدانة الإرهاب وعدم محاربته على قدم المساواة، قد خلق اليوم، إلى جانب عوامل أخرى، جغرافيا سياسية جديدة في الشرق الأوسط، وقلب توازنات القوة، وأنتج توزيعاً ديموغرافياً مختلفاً، لا يخضع للعدالة وحقوق الإنسان واعتبارات التاريخ، وإنما لموازين القوة الغاشمة والتهجير القسري وجرائم التجويع والحصار والانتقـــام المذهبي على يد من «يقدرون مصالحهم ويحسبون الربح والخسارة»، كما يرغب أوباما في وصفهم. وإذا كانت هذه التركة السوداء هي نتاج الاستبدادين السياسي والديني في المنطقة، وتراخي المجتمع الدولي في الإسهام بنصيبه في معالجتها مبكراً، فإن الذكرى الخامسة عشرة لجريمة 11 أيلول الإرهابية تؤكّد مجدداً هذه الحقيقة، وتؤكد أن الاتفاق النووي لم يُصعّد المعتدلين في إيران، وهي تؤكد في المحصلة الحاجة الماسة لوقف التمييز في مقاربة الظاهرة الإرهابية، والاستمرار في طرق الخزان والتحذير بأنه ليس ثمة إرهاب نافع وآخر ضار، لأنّ تمييزاً كهذا، كما نرى في سورية والعراق، حافزٌ أعمى لتوليد الإرهاب والفوضى وتناسلهما، ليس إلاّ.
محمد برهومة- الحياة السعودية-