إخفاء أميركا براءة المملكة كدولة ومسؤولين من هجمات 11 سبتمبر 2001م، والتكتم على علاقة إيران بتلك الأحداث يبعثان أسئلة مرتابة حول النفاق الأميركي. إذا كانت المعرفة المتوفرة غير قادرة على كشف حقيقة تلك الأحداث فلنترك للمستقبل فرصة لجلي الحقيقة بدلاً من تقمص دور الضحية.
الكونجرس الأميركي مرر مشروع القانون رقم S2040 الذي يجيز للمواطن الأميركي رفع قضايا على دول ذات سيادة أمام المحاكم الأميركية، وهذا حق أميركي خالص رغم أنه يتنافى مع معاهدة وستفاليا. الغرابة ليست في ممارسة المشرعين الأميركيين ولايتهم في إصدار قوانينهم وإنما في الربط المباشر بين القانون والسعودية. وقد راجعتُ مشروع القانون الذي تم التصويت عليه في 9 صفحات ولم أجده تطرق إلى المملكة العربية السعودية نهائياً، وإنما إلى الدول التي تمول الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، ويسمح للقضاء الأميركي قبول قضايا على دول ذات سيادة تسببت في أضرار مادية لمواطنين أو منشآت بغرض دفع التعويضات. وإذا سلمنا بأنه خاص بأحداث سبتمبر 2001م فإن الدول المستهدفة ليست السعودية فحسب وإنما مصر والإمارات ولبنان والأردن وباكستان وأفغانستان وإيران. وربما تكون الحكومة الأميركية أول المدانين لتقصيرها في حماية شعبها رغم التحذيرات الكثيرة السابقة.
الإعلام الأميركي مارس ابتزازاً سافراً للسعودية، كالمعتاد. ومارس الإعلام العربي تقليداً ساذجاً دون اطلاع على محتوى مشروع القانون. إن وجود 15 سعودياً لا يعني المسؤولية الرسمية أو الشعبية عن الحادث، واعتراف أسامة بن لادن والظواهري يعنيان تأكيد تورط القاعدة وليس تورط السعودية، ولكن كيف تم التخطيط؟ وأين؟ ومن الذي تولى التدريب؟ ومن الذي سهل التنفيذ؟ ومن المستفيد من العملية برمتها؟ هذه الأسئلة هي التي سيبحث القضاء الأميركي عن إجابات مادية لها.
أسامة بن لادن حين التخطيط والتنفيذ لم يكن سعودياً، بل إرهابياً مطروداً من المملكة فكيف تتحمل السعودية وزر أفعاله؟ الرجل الثاني والعقل المدبر أيمن الظواهري وصل إلى إيران قبل تأسيس تنظيم القاعدة. آواه الحرس الثوري، وخطط معه لثورة إسلامية في مصر على غرار ثورة الخميني ثم تراجع الإيرانيون عن ذلك. أسامة بن لادن كان شديد الإيمان بالتقارب مع إيران والاجتماع على عدو واحد هو الولايات المتحدة الأميركية وشياطينها الصغار من وجهة نظرهم. السعودية أرسلت تحذيراً متقدماً للولايات المتحدة الأميركية حول شكوكها في عضوي القاعدة المحضار والحازمي، وبالفعل تم مداهمة غرفة المحضار في أحد فنادق دبي عام 1999م. كان هناك اجتماع أمني شهري سعودي أميركي وفقاً لمحاضرة للأمير تركي الفيصل في جامعة جورج تاون بعد الأحداث بأسابيع. لجنة الكونجرس المعنية بالتحقيق أشارت إلى توفير إيران ممراً آمناً لبعض منفذي الهجمات، ومازلت عند يقيني بأن رفات عدد من أسماء السعوديين المشاركين في تلك الهجمات مدفونة في إيران وليس تحت الأنقاض في أميركا.
ببساطة شديدة، السعودية تمت تبرئتها مرتين، وهيلاري كلينتون اعترفت بأخطاء أميركا في صناعة الإرهاب وتهيئة فرصه ومده بالسلاح في أفغانستان، والقاعدة وإيران لهم عدو تكتيكي هو المملكة، وعدو استراتيجي هو أميركا، وصممت لعبة الشيطان أو عملية "حرق الشيطان" على هذا الأساس؛ ضربة مزدوجة لعدوين ببعضهما البعض. العملية ذكية، ولكن لا تحتاج للكثير من الذكاء لفهمها من خلال سؤال واحد: من هو المستفيد؟ الأدبيات الأميركية الموثوقة التي لا تجد رواجاً كبيراً تؤكد أن عملية "حرق الشيطان" تم التخطيط لها في طهران، بمشاركة ممثل القاعدة أيمن الظواهري، وعماد مغنية من حزب الله، والحرس الثوري الإيراني كان الراعي. ووثائق المحكمة الفيدرالية الأميركية في منهاتن تثبت بأن إيران اشترت قمرة للتدريب على قيادة طائرات بوينج 767 وهي لا تملك هذا النوع من الطائرات، وجميع الطائرات التي استخدمت في العملية كانت من طراز 757 و 767. وزارة الخزانة الأميركية أصدرت بياناً قبل شهرين ونيف جمدت بموجبه أموال ثلاثة من قادة القاعدة المقيمين في إيران، ولم يهتم الإعلام الأميركي بذلك. والظواهري ونجل ابن لادن "سعد" وغيرهم يقيمون في حماية طهران بمعرفة أميركا. وفي كتابه الموسوم "برج يلوح في الأفق: القاعدة والطريق إلى 11/9،" لاحظ مؤلفه لورنس رايت أن تنظيم القاعدة وحزب الله، تدربا معاً في التسعينيات، ويعتقد أن القاعدة تعلمت تفخيخ السيارات والأجساد من حزب الله. المخابرات الأميركية طورت برنامجاً أسمته RIGOR لمراقبة القاعدة في إيران.
كل هذه الشواهد تؤكد وفقاً لصحيفة واشنطن تايمز في مقالة تحليلية نشرت قبل عدة أيام أن الإرهاب "الإسلامي" يتخمر في طهران وأن القاعدة ما هي إلا عميل مستفيد منه كبقية التنظيمات الإرهابية في المنطقة أو الثورية حول العالم. وحث كاتبها الكتاب والصحافيين على تسليط الضوء على العلاقة بين إيران والتنظيمات الإرهابية وعلاقتها بأحداث 11 سبتمبر.
إن أي تحقيق منطقي ومنصف سوف يقود إلى طهران في طريقه لمعرفة حقيقة أحداث 11 سبتمبر، وعلينا أن نكون جزءاً من البحث عن الحقيقة لإنقاذ سمعة ديننا وبلادنا. وأرجو ألا يخرج أحد المتنطعين ويجتر ما أعرفه من اعتراف القاعدة أو يتهمني بالمؤامرة. أحداث 11 سبتمبر حقيقة، ولكن من يقف خلفها منطقياً هو إيران، والقاعدة نفذتها لصالح طهران بالدرجة الأولى بهدف شيطنة منافسها الرئيس في المنطقة وهو المملكة العربية السعودية وكسر أقوى علاقة صداقة له بأميركا، وقد نجحت، فهل ستنجح بالإفلات من العقاب؟ أعتقد أن مشروع قانون الكونجرس سوف ينال من إيران أولاً، وسوف يتيح للسعودية رفع قضايا على إيران داخل المحاكم الأميركية للمطالبة بتعويضات عما تعرضت له سمعة المملكة من أضرار.
مشروع القانون رقم S2040 وصل للرئيس الأميركي وعليه خلال عشرة أيام أن يوقعه أو يعيده إلى الكونجرس بدون توقيع "فيتو"، وعندها يصوت عليه الكونجرس بمجلسيه مرة أخرى، وإذا فاز بأصوات ثلثي الأعضاء في الشيوخ والنواب يصبح نافذاً رغم إرادة الرئيس. ولكن 90% من المشاريع تفشل بعد عودتها للكونجرس حيث لا تحصل على الأغلبية المطلوبة لتجاوز توقيع الرئيس.
عبدالله موسى الطاير- الرياض السعودية-