انضمت رابطة العالم الإسلامي والهيئة العالمية للعلماء المسلمين، إلى البلدان والجهات الدولية المستنكرة للقانون الذي أصدره الكونجرس الأمريكي باسم "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب". وبذلك يتزايد عدد الجهات الحكومية وغير الحكومية التي لم تستنكر هذا القانون الغريب فحسب، بل عبرت عن صدمتها منه، لأسباب عديدة، في مقدمتها بالطبع، أن المملكة أول وأكثر البلدان التي تعرضت للإرهاب، حتى قبل سنوات من هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) 2001. فضلا عن أنها كانت من أوائل الدول التي تحركت بصورة أكثر تنظيما ضد الإرهاب، بل رصدت الدعم المالي لهذا التحرك، فضلا عن تأسيس هيئات خاصة بهذا الأمر. وإذا كان أكبر عدد من الإرهابيين الذين قاموا بهجمات أيلول (سبتمبر) من أولئك الذين يحملون الجنسية السعودية، فهناك إرهابيون يحملون الجنسيات الغربية بما في ذلك جنسية الولايات المتحدة.
الحجة واهية لصدور هذا القانون، بل مضحكة. لأنه إلى جانب المبررات السابقة، فهو يتعارض بالفعل مع القانون الدولي، ويخالف أسس العلاقات الدولية، بل العلاقات الثنائية بين الدول، كما أنه لا يعترف بالحصانة التي تتمتع بها الدول، بما في ذلك عدم فرض القوانين الداخلية لدولة على دولة أخرى. هذه المبادئ معروفة ولا تحتاج إلى شرع. وهذا ما أكدته في الواقع رابطة العالم الإسلامي، في استنكارها للقانون الأمريكي، الذين أوجد بحد ذاته مشكلة داخل الولايات المتحدة، عندما اعتبرته الإدارة الأمريكية غير مقبول، وهددت باستخدام الفيتو الذي يتمتع به الرئيس ضد قانون الكونجرس الذي اعتبره البعض مهزلة. موقف رابطة العالم الإسلامي، واضح وعرى كل الأسباب التي ادعى الكونجرس أنها وراء إصدار القانون. وكذلك موقف البلدان التي رفضته.
وهذا القانون الغريب المثير، يفتح بالفعل الباب أمام كل الدول لرفع رعاياها قضايا ضد بلدان أخرى بحجج مشابهة، الأمر الذي سيدفع بالعلاقات الدولية إلى الاضطراب وبعده التوتر، إضافة طبعا إلى نشر أجواء من العداء غير مبررة. فالمسألة لا تتعلق بالولايات المتحدة، بل بدول كثيرة تعرضت لعمليات إرهابية، وفي مقدمتها بالطبع السعودية، التي بدأت مبكرا تحركها ليس فقط ضد تنظيم القاعدة الإرهابي، بل ضد كل التنظيمات الإرهابية قاطبة، بصرف النظر عن انتماءاتها وتوجهاتها ومناطق نشاطها. هناك بلا شك شعبوية بغيضة كانت وراء صدور هذا التشريع من الكونجرس الأمريكي، تستند إلى جهل ليس فقط في العلاقات الدولية، بل أيضا في قراءة التاريخ والأحداث. لقد اتفق العالم أجمع في السنوات الماضية على أن الإرهاب لا جنسية له بل لا دين له، وهذا وحده ينبغي أن يجعل العالم يقف ضده، لا ضد ضحاياه!
على السلطات التشريعية الأمريكية ألا تعتمد هذا التشريع، وهذا ما أكدته رابطة العالم الإسلامي، وهناك فرصة بالطبع لكيلا يتحول التشريع إلى قانون فاعل، وهذه الفرصة لا بد أن تستغلها السلطات التشريعية من أجل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فالمسألة لن تتوقف عند ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، بل ستنتقل إلى ضحايا آخرين في بلدان أخرى يفوقون عددا حتى أولئك الذين قضوا في الهجمات المذكورة. وعلى الجهات الأمريكية الأكثر رشدا أن تفهم مسبقا فداحة تشريع الكونجرس الغريب، على مستقبل علاقات الولايات المتحدة نفسها مع أغلبية بلدان العالم. وحتى العلاقات التي تربطها مع حلفائها الغربيين ليست على أفضل حال. إن تشريع الكونجرس ليس أكثر من ابتزاز دنيء، ولكنه مكشوف جدا.
كلمة الاقتصادية السعودية-