لم يكن "الإرهاب" ممثلا في جميع تنظيماته، ما عرف منها وما لم يعرف، ليتوقع أن تدعو الولايات المتحدة بنفسها وبتوجيه "العقلاء" من نوابها وشيوخها للمصادقة على أغلى أمنياته وغاياته في الوقيعة بين الحضارات والشعوب والأديان. ولكنه "الجنون" الذي بات سمة العصر. وحقيقة سكاكين العبث. ومسرحيات الدم المراق يوما بعد آخر على شاشات الافتراض الأمريكية. "يوتيوب" و"تويتر" و"فيسبوك" وما إلى ذلك من منصات شعبوية. يجب ألا يغفل دورها المفصلي إذا ما فتح الباب لمقاضاة كل ما هو عام واعتباري، بحجة دعم الإرهاب ورعايته.
رعاة «رعاة الإرهاب»
سؤال "العدالة" المشروع ضد رعاة الإرهاب بافتراض حسن النيات، يفضي بالضرورة إلى أسئلة متسلسلة أخرى عن رعاة "رعاة الإرهاب" .. وهلم جرا. وهو ما يضع الولايات المتحدة نفسها في حرج سواء تجاه أدواتها التي أسهمت في تفشي الإرهاب ودعاته رغم تحذيرات أمنية متتابعة وسابقة تجاهلتها. أو تجاه حليفها الأخير إيران. الراعي الأبرز للإرهاب وميليشياته في المنطقة؟ أي تجاه الأموال التي بدأت تتدفق على خزانة حرس "الثورة" باسم الاتفاق النووي. وبرعاية أمريكية وغربية لطالما طمعت في السوق الإيرانية إذ وجدت فيه بابا جديدا لا يمكن تجاهله رغم الوجهات المشبوهة للقائمين عليه طائفيا وإجراميا.
وعودا على الجانب القانوني الصرف فالانتقال جنائيا وسياسيا من مقاضاة الفرد إلى مقاضاة العام يعد خرقا واضحا وفقا لكثير من المختصين لبدهيات القانون الجنائي من جهة. وتعديا صارخا على سيادة الدول وكياناتها السياسية المحصنة باسم اتفاقيات الأمم وأدبياتها من جهة أخرى. ورغم ذلك يمرر القانون ويقر من قبل مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين بما يضمانه من قانونيين ومختصين. في ابتزاز وتحد واضحين لسيادة دول العالم أجمع. وليس السعودية فقط كما يحاول البعض إعلاميا حصر القانون. لمجرد أن حيثيات مشروع إقراره اتخذت من أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) منطلقا. فكثير من الدول والحكومات والهيئات العالمية دعت بوضوح إلى التحذير من تبعاته. بمن فيهم البيت الأبيض الذي استشعر منذ البدء الخطورة الدبلوماسية والمأزق السياسي من تمرير هكذا قانون. ليلوح باستخدام حقه في النقض.
تسييس العواطف
و"النقض" الرئاسي إذا ما تحقق لن يكون دفاعا عن السعودية أو غيرها من البلاد العربية والغربية التي لا تخلو قائمة الإرهاب العالمي من حاملي جنسياتها وأوراقها الثبوتية. ولكنه دفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ضد نفسها خشية مأزق سيوقعها فيه لا محالة سياسيوها الشعبويون إذا ما أقر هذا القانون. فأقرب تصور لما يمكن حدوثه وفق مراقبين هو أن تعامل واشنطن من قبل باقي الدول بالمثل على أقل تقدير. وحينها سيعلم "الشعبويون" أي منقلب سينقلبون. إذ ترجح بعض التقارير الأمريكية وقوف كثير من الشعبويين السياسيين خلف هذا القانون. تسييسا لعاطفة المكلومين من ذوي القتلى والمفقودين في مثل هذه الحوادث الإرهابية المؤسفة. وعلى الأخص ذوي قتلى الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). الحادثة الأشد تأثيرا ووقعا على ذاكرة ومخيلة الناخب الأمريكي ومخاوفه الحاضرة وتوجهاته المستقبلية.
وهي المخيلة الأمريكية ذاتها التي لا يزال يتغذى على مخاوفها الصعود المتواصل انتخابيا واجتماعيا لمرشح بائن العنصرية كدونالد ترامب. لذلك لا يجب بحال من الأحوال إلقاء اللوم على السعودية التي يحاربها الإرهاب وتحاربه منذ منتصف التسعينيات الميلادية. لا دبلوماسيا ولا إعلاميا ولا اجتماعيا. في حال إصدار قوانين من هذا النوع. تدعي "العدالة" وتحاربها في الوقت ذاته. ولكن اللوم كله يقع على تصاعد مد شعبوي غربي مضاد استطاعت "الإسلاموفوبيا" تحريره فقط من قمقم عنصريته "البيضاء" وهواجسه الكامنة.
تخبط دولي
مشكلة السياسي الغربي اليوم وخصوصا الأمريكي. أنه بات يعيش في حالة تخبط واضحة منذ أن اختلت المعايير الدولية الثابتة التي اعتاد أن يتعامل بها. فالوضع الاستثنائي والمتوحش الذي أوجدته ولا تزال توجده تنظيمات إرهابية معولمة. فكرها أصولي وأدواتها حداثوية. جعله يسابق الزمن والنتائج. لإيجاد كبش فداء خارجي يضع على عاتقه كل اللوم والخيبات السياسية التي يعيشها. ودائما بغطاء جماهيري يحرره من قيد مسؤولية القرار وتبعاته.
يبقى أن المملكة إذا ما أقر مثل هذا القانون لن تعجز عن مقارعة الحجة بالحجة. ومقاضاة كل من تسول له نفسه المساس بسيادتها وحقوق مواطنيها المكفولة شرعا وقانونا. وسلاحها في ذلك شفافيتها وعقود من مقارعة الإرهاب ورعاته. بل رعاة رعاته. مع قدرتها إذا ما دعت الحاجة على كشف كل الأوراق وعرضها فوق طاولة الحق لا تحت طاولة الزيف. كما يريد لها بعض سياسيو الغرب وإعلاميوه. إذ يعد الخداع والتلون وفقا لمقتضيات الحال والأحوال قاعدة بدهية في عرف بعض الساسة وفي لعبة الديمقراطية والانتخاب. لكنه ليس كذلك بالنسبة لمن دفع طوال عقود الغالي والنفيس محليا ودوليا في التصدي للإرهاب ودعاته وأسبابه.
الاقتصادية السعودية-