قانون «الجاستا» الأميركي ليس سوى حلقة تضاف إلى سلسة من الأدوات الساعية لاستبدال أنظمة الدول التي اتهمت بجريمة تفجير البرجين٬ انتقاًما لمقتل 2752 أميركًيا٬ آخرهم كان «ليون هيورد» الذي توفي في ٬2012 واعتبرته السلطات الأميركية ضحية 11 سبتمبر (أيلول)؛ لأن الطبيب الشرعي في مدينة نيويورك قرر أن إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية كان سببها تنشقه الغبار السام المنبعث في تفجير البرجين٬ وبوفاته اكتملت ذرائع إسقاط أنظمة دول اتهمت بضلوعها في رعاية «الإرهاب السني» المتهم الرئيسي في هذه الجريمة.
سبقت «الجاستا» حلقات انتقامية٬ كان أولها قرار الكونغرس الأميركي بالحرب على العراق بعد أن أقنعتهم إدارة بوش بأن صدام حسين ضالع مع «القاعدة» المسؤولة عن مقتل 2752 أميركًيا. فقتلت الغارات الأميركية 116300 مدني عراقي منذ 2003 إلى ٬2011 هذا الرقم لا يشمل عدد قتلى «المقاتلين» في العراق؛ فتلك تفاوتت الأرقام حولهم؛ مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية في مسح أجرته أكدت مقتل 655000 عراقي ما بين مارس (آذار) 2003 إلى أكتوبر (تشرين الأول) ٬2006 والأمم المتحدة ذكرت في تقرير لها أن 43 ألًفا قتلوا في هذا العام. الحسبة صعبة ومؤلمة٬ نحن أمام 750 ألًفا إن شملت «المقاتلين» كما سمتهم التقارير؛ لذلك لنركز على المدنيين الذين رصدت المنظمات الدولية عددهم٬ والذين يشكلون أساًسا قوًيا وصلًبا لمقاضاة الدولة المسؤولة عن قتلهم لو أقر العراق قانون «جاستا» عراقًيا بأمر من إيران مثلاً٬ ويستند إلى ذات المنطق الذي استند إليه قانون الجاستا الأميركي!
باكستان بلغ عدد القتلى المدنيين فيها بالخطأ من قصف الطائرات الأميركية من دون طيار٬ التي استهدفت مواقع لـ«القاعدة» وفق تقرير للأمم المتحدة في عام 2014 فقط400 ٬ مدني٬ ولك أن تتخيل الرقم من 2001 إلى يومنا؛ إذ تؤكد المنظمات غير الحكومية أن عددهم 3613 خلال السنوات العشر الماضية٬ أي أن العدد فاق هو الآخر قتلى البرجين.
أما مكاتب الصحافة الاستقصائية في لندن٬ فقدرت قتلى الخطأ من 492 إلى 1100 مدني في اليمن والصومال في عمليات استهدفت مواقع لـ«القاعدة» هناك.
أما في أفغانستان٬ الدولة التي كانت آوت أسامة بن لادن٬ ففي الشهور الستة الأولى من هذا العام٬ أي ٬2016 بلغ عدد القتلى المدنيين بطريق الخطأ٬ مرة أخرى400 ٬ قتيل٬ آخرهم كان 22 مريًضا قضوا نحبهم في قصف جوى٬ بالخطأ مرة أخرى٬ على مستشفى كندوز الذي كان مقًرا لعمل منظمة «أطباء بلا حدود».
هل نكتفي؟ أم نكمل باقي السلسلة التي لن تقف وتنتهي عند مسؤولية الولايات المتحدة المباشرة الناجمة عن ضحايا الغارات الجوية من المدنيين والذي تجاوز ثلاثة أرباع المليون إنسان٬ بل ستمتد إلى احتساب ضحايا أعمال العنف في دول ساندت فيها الولايات المتحدة عمليات التمرد والخروج على القانون فيما سمي بـ«الربيع العربي»٬ دول هيلاري كلينتون أقرت بضلوع الإدارة الأميركية في أحداثها٬ بما فيهم مملكة البحرين٬ وفي هذه الحالة سيرتفع عدد الضحايا للمليون إنسان٬ بعضهم قضي بغارات أخطات التصويب وبعضهم قضي بمعلومات أخطات التقدير!! إذا أخذنا في الاعتبار الاعترافات الأخيرة التي أقرت بريطانيا بسوء تقديرها للمعلومات الاستخباراتية التي استندت إليها في قرار مشاركتها في العمليات التي أسقطت نظام القذافي٬ وبهذا الإقرار ستلحق ليبيا بالعراق في عداد الدول (السنية) التي أخطأ في تقدير مسؤوليتها٬ بعد أن أكد تقرير للجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي ضلوع شخصيات كبيرة ومعهم السيناتور الديمقراطي جونو روكفلر بتضليلهم وإساءة استغلال المعلومات من أجل تعزيز فرص إسقاط نظام صدام حسين.
ولن يكون قانون «جاستا»٬ الذي أثار الجدل مؤخًرا آخر مطاف الابتزاز للمملكة العربية السعودية٬ كما لن يكون بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان٬ ضد البحرين هو الآخر آخر المطاف لابتزاز البحرين لإخضاعها لأدواتهم٬ ما دام انتشار الفوضى ما زال وسيلة لإسقاط النظام٬ وما دام مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط ما زال قائًما حتى بعد اكتشاف تقديراتهم ومعلوماتهم الخاطئة التي بنوا عليها قرارهم.
خيوط «المشروع الشرق أوسطي الجديد» كلها تتجمع عند نقطة التقاء استحقاقات الفوضى. قانون «الجاستا» ليس سوى خيط يضاف إلى خيط آخر تمسك إيران بطرفه الآخر٬ يقود هو الآخر لفوضانا؛ فرسالة ظريف في جريدة «نيويورك تايمز» تدعو إلى التعاون الأميركي الإيراني لإسقاط ما سماه ظريف بالوهابية دون مواربة٬ بعد أن افتضح دور إيران في أحداث العنف في المملكة العربية السعودية التي جرت في الحج العام الماضي٬ ومكمل لدورها في أحداث العنف في سيناء مصر٬ فلا يختلف توريد الأسلحة الإيرانية للتنظيمات الإرهابية في سيناء٬ وأبرزها المسدسات الإيرانية الصنع «الصياد أي إم» والموجودة في يد المقاتلين في سيناء كما في صنعاء عن توريدها لـ«سي فور» و«تي إن تي» للبحرين.
نحن أمام مشهد بلغت فيه الحبكة الدرامية ذروتها بهذه المشاهد الثلاث (الجاستا ورسالة ظريف وبيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان) تماًما كسيناريو فيلم يبقيك مشدوًها تحاول أن تربط خيوطه٬ مستعجلاً فهم الحبكة٬ ويصر المخرج على تضليلك حتى اللحظة الأخيرة٬ لا بل حين تعتقد أن الدراما انتهت يفاجئك المخرج بمشهد يوحي لك بأن هناك جزًءا ثانًيا للفيلم.
سوسن الشاعر- الشرق الاوسط السعودية-