بعد أن لعب دور الناقد لفترة طويلة، يجد الرئيس الأمريكي نفسه الآن في وضع غير مريح، محاولًا حماية المملكة من الكونغرس.
لم يتمتع الرئيس أبدًا بعلاقات عظيمة مع السعودية لهذه الدرجة. ولكنه يقف الآن في موقف الحائل الأخير بين مملكة الصحراء الغنية، ومطالبات محتملة بمليارات الدولارات.
وصف أوباما السعوديين بـأنهم «حلفاء مفترضين»، ونسب إليهم ممارسة نسخة من الإسلام تلهم الإرهابيين، كما اقترح على السعودية تعلم «تشارك» الشرق الأوسط مع جارتها اللدود إيران.
ومع هذه الاختلافات، تعهد «أوباما» بإشهار الـ «فيتو» ضد مشروع القانون الذي مرره الكونغرس، والذي يسمح لأسر ضحايا 11/9 بمقاضاة السعودية بداعي ارتباطها بالهجمات الإرهابية عام 2001.
ويجد «أوباما» والرياض نفسيهما في نفس الجانب مرة أخرى ضد الكونغرس، وهو ما يدلل على العلاقات الغريبة بين الولايات المتحدة والسعودية في آخر 8 سنوات. فالرياض التي طالما كانت حليفة لواشنطن، تواجه الآن مستوى غير مسبوق من الانتقادات، لكن لا تزال البلدان غير قادرتين على التخلي عن علاقة التحالف بهذه البساطة.
ويقول «جون ألترمان»، المحلل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «من الواضح أن هذه العلاقة في مرحلة انتقالية، لكن لا أحد يعرف ما ينوون الانتقال إليه».
ولنعرف مدى غموض تلك العلاقة، ننظر إلى مثالين آخرين، فـ«أوباما» يدعم السعودية في حربها في اليمن ضد الحوثيين، على الرغم من أن مسؤولين أمريكيين قلقون من تأثير تلك الحرب على جهود قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فإن العديد من نفس التشريعيين الأمريكيين الذين مرروا مشروع القانون ضد السعودية، كانوا سعداء بتسهيل صفقة بيع أسلحة للسعودية بقيمة 1.15 مليار دولار. ألا يعد ذلك مثيرًا للسخرية؟
وكان الكونغرس قد مرر مشروع القانون بضغط من أسر ضحايا 11/9 والذين يحتفلون بالذكرى السنوية رقم 15 لمقتل ذويهم. وضغطت السعودية بالمقابل عن طريق جماعات الضغط التي تعمل لصالحها في الولايات المتحدة وعن طريق العلاقات المباشرة داخل أمريكا، من أجل عدم اعتراض الفيتو الذي فعَّله أوباما ضد مشروع القانون.
واستبعد مسؤولون في الإدارة فكرة استخدام أوباما للفيتو من أجل حماية السعوديين. ولكن «أوباما» يخشى على أن يؤدي مشروع القانون إلى تآكل مبدأ السيادة الدبلوماسية، وهو ما قد ينتقل إلى دول أخرى ويعرض الولايات المتحدة للتقاضي في بلدان كثيرة حول العالم.
وقالت «ميندي كلينبيرج»، التي قتل زوجها في أحداث 11/9: «نشعر بالإحباط لأن الرئيس لا يقف بجانبنا»، وكانت قد تقابلت مع مشرعين يوم الخميس من أجل الدفع باتجاه اعتراض قرار الفيتو الخاص بـ«أوباما». وأضافت: «انتظرنا تحقيق العدالة طويلًا، ونظن أن مشروع القانون هذا سوف يقطع بنا شوطًا كبيرًا نحو إمكانية المساءلة».
وأيًا كانت دوافع «أوباما»، فلن يؤدي استخدامه للفيتو ضد مشروع القانون إلى تخفيف شكوك السعوديين.
وترجع تخوفات السعوديين من «أوباما» إلى العام 2002 قبل أن يصبح رئيسًا بالطبع، حين تحدث في تعليق له عن السعودية قائلًا «من نسميهم» حلفاءنا. ونمت تلك التخوفات حين وقف «أوباما» ضد الرجل القوي بمصر «حسني مبارك» خلال الربيع العربي عام 2011، وهو ما جعل السعوديين يتساءلون إذا ما كان «أوباما» سيتدخل في كارثة سيسية أخرى تحل ببلدهم.
وتعمق الأمر أكثر في عام 2013، حين قرر «أوباما» عدم القيام بضربة عسكرية ضد الرئيس السوري «بشار الأسد» حتى بعد أن تخطى «الأسد» الخط الأحمر لـ«أوباما» باستخدامه »للأسلحة الكيميائية. ووصل الأمر لذروته العام الماضي بعد أن وقع «أوباما» الاتفاق النووي مع إيران، وهي الدولة الشيعية الثيوقراطية التي تراها السعودية تهديدًا كبيرًا لكامل منطقة الشرق الأوسط.
ولا يزال «أوباما» مدركًا حاجة بلاده للحفاظ على التحالفات القائمة مع دول مستقرة في الشرق الأوسط، وهو ما ما يدفعه لمحاولة تهدئة مخاوف السعوديين. وكان «أوباما» اختصر زيارة إلى الهند سريعًا في يناير/ كانون الثاني من العام 2015، لمقابلة خادم الحرمين الشريفين، الملك «سلمان» المتوج حديثًا بعد موت سلفه. كما دفع «أوباما» في اتجاه صفقات جديدة للأسلحة واتفاقيات أمنية مع السعودية، كجزء من محاولة تخفيف حدة قلق السعودية من الاتفاق النووي مع إيران.
ولكن تصريحات «أوباما» مطلع هذا العام لمجلة «ذي أتلانتيك»، أثارت استياء السعوديين، حيث بدا «أوباما» مناقضًا لسياسات الولايات المتحدة التي استمرت لعقود والتي تميل بشدة نحو الرياض ضد طهران.
وجاء في تصريح «أوباما»: «إنّ التنافس بين السعوديين والإيرانيين، والذي غذى الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا، يتطلب من أصدقائنا ومن الإيرانيين أيضًا إيجاد حل لتشارك الجوار والوصول إلى نوع من السلام البارد.
ورد الأمير «تركي الفيصل»، رئيس المخابرات السعودية السابق، في رسالة مفتوحة بعد تصريحات «أوباما»، قائلًا: «لقد ألقى إلينا كرة منحنية». وانتقد الرئيس لقوله أن حلفاء أمريكا في الخليج «راكبون بالمجان» يعتمدون كليًا في أمنهم على الولايات المتحدة.
ويبدو أن السعودية قد تعمدت توبيخ «أوباما» بعد نشر حديث المجلة، حين أرسلت مسؤولًا ذو مستوى أقل لاستقبال «أوباما» في المطار أثناء زيارته للرياض في أبريل/ نيسان، كما لم ينقل التلفزيون السعودي الرسمي وصوله للمطار. كما بدا لو أن الزيارة لم تحقق أي شيء على مستوى تهدئة مخاوف السعودية، حيث تحدث الطرفان عن المقابلة بكلمات مثل «مناقشة» و«تبادل وجهات النظر» ولم يتحدثا عن الاتفاق على أي شيء.
واستضاف الرئيس أيضًا ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في زيارته لواشنطن، من أجل جولته هذا الصيف من أجل تحسين صورة المملكة في واشنطن. وأثنى «أوباما» على خطة الأمير لتحول الاقتصاد السعودي والمسماة بـ «رؤية 2030». كما حاول طمأنة السعودية أن الولايات المتحدة تدعمها ضد تدخلات إيران، والتي تظل عدوا رسميا للولايات المتحدة.
لكن بعض الثوابت في العلاقة ما بين الولايات المتحدة والسعودية قد تحولت إلى متغيرات، وهو ما يعني أنه حتى بعد مغادرة «أوباما» للرئاسة خلال بضعة أشهر، فإنّ العلاقة تظل صخرية. وبعد انخفاض أسعار النفط، اضطرت المملكة لإعادة التفكير بشأن اقتصادها، كما تعتمد الآن الولايات المتحدة على احتياطياتها من الطاقة، وهو ما يقلل من اعتماد أمريكا على النفط السعودي. كما أشار بعض الملاحظون إلى التغير في الثقافة السعودية المحافظة العميقة، فقد بدأت السعودية بالاعتماد بشكل أكبر على النساء ودمجهم في قوة العمل، كما انفتح الشباب السعودي كثيرًا على الإنترنت والعالم الخارجي، وكثير من الشباب السعوديون قد تعلموا في الولايات المتحدة، وهم الآن يعملون على الاستفادة من تلك الخبرات في بلدهم.
وبكل الحسابات، تظل الولايات المتحدة والسعودية في حاجة للحفاظ على العلاقة الأمنية. وقد اعترف مسؤولون أمريكيون بشكل خاص أن السعوديين شركاء يقدمون مساعدة جيدة في قتال الجماعات الإرهابية مثل القاعدة، التي تراها الأسرة الحاكمة في السعودية تهديدًا لحكمها. ويقول مسؤولون أمريكيون أيضًا، أن السعودية عملت في السنوات الأخيرة على إسكات أكثر الدعاة الإسلاميين تشددا، وغيرت في المناهج الدراسية لتصبح أكثر تسامحًا.
وبينما سيكون السعوديون سعداء بمغادرة «أوباما» للبيت الأبيض خلال بضعة أشهر، لا يضمن السعوديون كيف سيتعامل معهم الرئيس القادم. فكلا المرشحين، الديمقراطية «هيلاري كلينتون» والجمهوري «دونالد ترامب»، قد تحدثوا عن قلقهم البالغ إزاء إخراج السعودية للكثير من المتطرفين الإسلاميين. وكلينتون قد دعمت مشروع القانون الذي يسمح لأسر 11/9 بمقاضاة السعودية. لكن في الوقت الذي يمكن اعتبار «كلينتون» فيه شريكًا أكثر قابلية للتنبؤ بتصرفاته، يرى السعوديون «ترامب»، الذي دعى لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ورقة غامضة لا يمكن التنبؤ بما سينتج عنها.
وإلى الآن، فإن السعوديين مستاؤون من توجهات الكونغرس ضدهم.
وكان بعض أعضاء الكونغرس قد ألمحوا إلى عدم ارتياحهم لمشروع القانون الخاص بأحداث 11/9، وسيتم أخذ ذلك في الاعتبار حين التصويت على فيتو «أوباما». ويأتي ترددهم مع وجود عدد متزايد من البلدان والتكتلات الأجنبية الذين أبدوا معارضتهم للمشروع، ومن بينها الاتحاد الأوروبي. وكان مشروع القانون قد تم تمريره من قبل كلًا من المجلسين، وهو ما يجعل أمر التصويت ضد الفيتو أو تمريره أمرًا حساسًا للغاية. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فإن الأجواء السياسية مشحونة أكثر من المعتاد.
وقال مسؤول أمريكي بارز سابق: «لم تكن السعودية شريكًا ذو شعبية في واشنطن أبدًا. شريك قوي، ولكن غير محبوب. ولا يريد أحد في الكونغرس أن يحني رقبته للسعوديين قبل شهرين ونصف الشهر مم الانتخابات الرئاسية».
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-