شكل يوم الـ28 من فبراير/شباط 2016 يوماً تاريخياً ليس فقط في حياة السياسة الأمريكية، التي يندر أن يجتمع قطباها الحزب الجمهوري والديمقراطي على قانون بعينه، بل أيضاً كان يوماً تاريخياً من عمر الحلف السعودي-الأمريكي الممتد على مدى 7 عقود، والمهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى، ناهيك عن السياسة الدولية قاطبة.
إذ جمع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، المعروف اختصاراً باسم "جاستا"، المشرعين الأمريكين، سواءً في مجلس الشيوخ أو النواب، وجاء التصويت بأغلبية ساحقة ضد فيتو الرئيس باراك أوباما على القانون، حيث نقض الفيتو بتصويت 97 من الأعضاء مقابل صوت واحد، وتبع الشيوخ مجلس النواب -بساعتين فقط- الذي صوّت أيضاً بأغلبية ساحقة 348 مقابل 77.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، سارع إلى وصف نقض الفيتو بأنه يشكل سابقة خطيرة، فقد أكد أن الأمر لا يتعلق بالمملكة العربية السعودية أو عائلات الضحايا، بقدر ما هو متعلق بفتح الأبواب لملاحقة الجنود الأمريكيين والعاملين في البعثات الأجنبية في الخارج.
ومن يطّلع على حيثيات القانون لا يمكن أن يفسره إلا أنه "ابتزاز منظّم"؛ إذ إن للحكومة الأمريكية -بموجبه- حق الحجز على الأصول المالية السعودية المقدّرة بنحو 750 مليار دولار في حال رفع أقارب ضحايا "11 سبتمبر" قضايا تطالب المملكة بدفع تعوضيات مالية، الأمر الذي يعني أن المملكة لن يكون بمقدورها تنفيذ تهديدها ببيع أصولها المالية في الخزينة الأمريكية في حال إقرار القانون، وهو ما كان.
- تهديد بالمقاطعة
وكرد فعل على "جاستا" ظهرت دعوات سعودية وخليجية بسحب الأرصدة، وبيع المملكة لأصولها المالية في الولايات المتحدة، وهو المقترح الذي وصفه الدكتور أنور عشقي، رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ "غير الحكيم".
وأضاف عشقي في حديث مع "الخليج أونلاين": "السعودية ليست متهمة في عمليات 11 سبتمبر، وليس لنا يد فيها، وسبق أن قام أحد المحامين الأمريكيين بطلب محاكمة السعودية لكنه فشل في الحصول على الأدلة الكافية"، مشيراً إلى أن "المخابرات الأمريكية، والبنتاغون، و(F.P.I)، أجمعوا على أن المملكة ليس لها يد فيها، والمتهم فيها هي إيران".
وشدد عشقي على أن الكونغرس الأمريكي يعرف هذه الحقائق، وهدف القانون هو إرضاء أسر الضحايا، وأيضاً سبق لأسر الضحايا أن أخذوا تعويضات من الأرصدة الإيرانية المجمدة في واشنطن.
وكانت محكمة في نيويورك أدانت إيران بتورطها بهجمات 11 سبتمبر/أيلول، وقضت بتغريمها بصرف 10.5 مليار دولار لأسر الضحايا الذين قتلوا في تلك الهجمات، 7.5 مليار دولار لشركات التأمين وعائلات الضحايا، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار لشركات التأمين والأضرار في الممتلكات، والتسبب في التوقف عن العمل، ودواع أخرى، وحصلت كل عائلة على 8.8 ملايين دولار.
-إعادة تقييم العلاقات
وحول الخطوات التي ستتخذها السعودية في حال تقدم ذوو الضحايا بقضايا ضدها، لفت عشقي إلى أن "المملكة سوف تتعاطى مع الأمر وفق القانون"، مبيناً أن هذه الخطوة لن تؤثر في العلاقات بين البلدين.
ولاحظ مراقبون غياب أي دور للوبي السعودي للتصدي للقرارات والقوانين التي تعمل على النيل مع المصالح السعودية، وهو ما أكده عشقي بالقول: إن "وجود اللوبي السعودي في واشنطن معدوم"، مرجعاً ذلك إلى أن "اللوبيات تتعامل مع الكونغرس، أما الدول فتتعامل مع السلطة التنفيذية، وهو ما عملت به المملكة بتعاملها مع السلطة التنفيذية مباشرة".
ولفت رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن "المملكة بصدد القيام بمراجعة علاقتها مع السلطة التنفيذية الأمريكية، ونظرتها اتجاه إنشاء لوبي حتى نحمي مصالحنا"، موضحاً أن "الولايات المتحدة سوق كبيرة يربح فيها من يجيد قواعد اللعبة"، على حد قوله.
-قانون شعبوي
لكن في المقابل يسود اعتقاد بين المحللين أن العلاقات الأمريكية-السعودية لن تكون كما كانت عليه قبل "جاستا"، مرجعين ذلك إلى أن الولايات المتحدة تحاول من خلاله ابتزاز السعودية، ليس مالياً فقط، بل أيضاً سياسياً.
بدوره قلل الدبلوماسي الأمريكي في وزارة الخارجية الأمريكية، آدم ماكلن، من هذه التحليلات والتركيز حول السعودية بشأنه، معتبراً أن العلاقات بين المملكة وبلاده أكبر من أن يزعزعها قانون قد يخضع لتعديلات، وربما يتم إلغاؤه مستقبلاً.
وأضاف لـ"الخليج أونلاين": "الجهات السيادية في الولايات المتحدة متأكدة من أن السعودية غير متورطة، وبالعكس المملكة العربية السعودية قدمت معلومات للولايات المتحدة ساهمت في إحباط الكثير من العمليات الإرهابية، وهو ما نضعه في عين الاعتبار".
ولفت الدبلوماسي الأمريكي إلى أنه "حتى وإن رفعت عائلات الضحايا دعوى ضد المملكة، فستكون الأدلة غير كافية؛ بسبب التقارير الحكومية التي نشرت، وآخرها تقرير المخابرات الأمريكية، الذي نفى أي دور أو علاقة أو صلة للمملكة في الحادث الإرهابي".
وكان جون برينان، مدير المخابرات المركزية الأمريكية، أكد أنه لا يوجد أي أدلة تورط الحكومة السعودية كدولة، أو مؤسسات، أومسؤولين سعوديين كبار، في اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول، وشدد في أكثر من مناسبة على أن "كل التحقيقات أثبتت أن من شن الهجمات هم تنظيم القاعدة".
-شعرة بين الحرب والسلم
وحول الاتهامات بأن للقانون تداعيات على العلاقات الدولية، وبأنه يخرق الحصانة السيادية للدول، والتي يصونها ميثاق الأمم المتحدة، اعتبر ماكلن أن "القانون شعبوي أكثر من كونه دبلوماسياً أو حتى سياسياً، وجاء بعد مطالب ذوي الضحايا من أجل العدالة لأبنائهم القتلى"، إلا أنه رأى أن "القانون بصيغته الحالية لن يستمر، وسيخضع للتعديل إما عاجلاً أو آجلاً؛ حرصاً على المصالح الأمريكية".
إلا أن المحلل السياسي والخبير في الشؤون الدولية، مصطفى خشان، شدد على أن القانون يشكل خرقاً لا مثيل له لسيادة الدول، مبيناً في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن القانون قد يشمل دولاً أخرى بمعزل عن السعودية، واصفاً إياه بـ "الشعرة الأخيرة بين حالة الحرب والسلم مع واشنطن".
ووصف القانون بأنه "يخالف ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، وأسس العلاقات الدولية القائمة على السيادة وحصانة الدولة".
وأضاف: "بات للمحاكم الأمريكية سلطة تسمح لها بنظر دعاوى من أفراد عاديين ضد حكومات، ويمكن أن يترتب على ذلك تجميد أصول مالية لأي دولة لمجرد النظر في الدعوى، والذي قد يستمر لسنوات".
وشدد خشان على أن قانون "جاستا" يمثل امتحاناً لمتانة العلاقات والتحالفات بين دول العالم والولايات المتحدة، مبيناً أن "الأمر الذي يخشى منه هو أن يدخل مواطن ما في ولاية أمريكية ما، علاقة بلاده مع دولة ربما تكون حليفاً وطيداً لها في المجهول لمجرد الشك بدعمها عمليات إرهابية ضد بلاده، ما سيجعل العالم يعيش في حالة من فقدان الثقة مع الدولة الأقوى والمهيمنة كالولايات المتحدة".
ولفت الخبير في العلاقات الدولية إلى أن "جاستا" قد ينعكس أيضاً على الولايات المتحدة نفسها، موضحاً "أنه لو لجأ العراقيون والفيتناميون والأفغان لمحاكمة أمريكا على ما أحدثته من دمار في بلادهم لأغرقوها بالدعوى ولسنوات"، على حد تعبيره.
عبدالله حاتم - الخليج أونلاين