بين ليلة وضُحاها، فعلت «المخاوف» الديبلوماسية والاقتصادية «فعلتها» داخل أروقة الكونغرس الأميركي. أمس الأول وقعت «الواقعة» السعودية. أصبح قانون «العدالة ضدّ رعاة الإرهاب» (جاستا)، قانوناً نافذاً ستتمكّن بموجبه عائلات ضحايا 11 أيلول مقاضاة الرياض. بالأمس، تحوّل الحديث نحو «تقليص القانون» بحجة «تهدئة المخاوف حول تأثيراته على الأميركيين في الخارج».
أما في الرياض، فكما كان متوقّعاً، قوبل قرار إبطال الكونغرس الأميركي بجناحيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، «الفيتو» الرئاسي، ببيان مُقتضب تُبدي فيه الخارجية السعودية استنكارها. وانبرت المنامة و»اللوبي السعودي» في الولايات المتّحدة للدفاع عن المملكة.
وعلى الرغم من أن أي إرجاء قضائي قد يستغرق سنوات في النظام الأميركي، إلا أن التأثير الأول للقرار برز في هبوط الريال السعودي في سوق التعاملات الآجلة أمس.
الرئيس الاميركي باراك أوباما، الذي حاول انقاذ السعودية بـ «الفيتو»، اعتبر في مقابلة مع قناة «سي ان ان» مساء أمس الأول، أن الكونغرس أجرى «تصويتاً سياسياً». وبعد يوم من رفض نادر بأغلبية ساحقة لـ «فيتو» رئاسي وهو الأول لأوباما في سنواته الثماني في البيت الأبيض، فتح الزعماء الجمهوريون لمجلس الشيوخ ومجلس النواب الباب أمام تعديل القانون، بينما أنحوا باللائمة على أوباما في عدم التشاور معهم بشكل كاف.
ووجّه 28 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ خطاباً إلى البيت الأبيض يُعبّر عن «قلقهم» من الإجراء، وفقاً للمتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست الذي وصف جلسة الكونغرس بأنها شهدت «حالة كلاسيكية للغاية من الندم السريع».
وإذ اعتبر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماك كونيل أن القانون «بحاجة لمزيد من النقاش»، مُعترفاً أنه قد تكون هناك «عواقب مُحتملة للقانون»، قال رئيس مجلس النواب بول ريان إن الكونغرس قد يضطر إلى «إصلاح» التشريع لحماية الجنود الأميركيين على وجه الخصوص.
ولم يعط ريان إطاراً زمنياً لمعالجة القضية، لكن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري عن تنيسي بوب كوركر، قال إنه يعتقد أن القضية يُمكن معالجتها في الكونغرس في جلسة «بعد انتخاب الكونغرس الجديد وقبل أن يبدأ عمله» في أعقاب انتخابات الثامن من تشرين الثاني المقبل.
وقال السيناتور الديموقراطي تشاك شومر، الذي دافع عن القانون في مجلس الشيوخ إنه «منفتح» على إعادة النظر في التشريع، لكنه سيُعارض اقتراحاً «يُقلّص القانون لينطبق فقط على هجمات 11 أيلول 2001». وقال: «تعرفون ماذا سيفعل ذلك؟ إنه يبلغ السعوديين أن يمضوا قدماً فيما فعلوه (الهجوم على الولايات المتحدة) مرة أخرى ونحن لن نُعاقبكم».
وقال بعض المُحلّلين إن أسرة آل سعود الحاكمة ستُفسّر خطوة الكونغرس في إطار «المواءمات السياسية» من جانب أعضائه في موسم انتخابي، وأن فرص «نجاح» أي دعوى قضائية «غير مؤكدة» في أفضل الأحوال.
لكنّ رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية ـ الأميركية (سابراك) سلمان أنصاري، غرّد على موقع «تويتر» قائلاً إن «دولتنا بخير وقادتنا بخير، وسنمضي في طريقنا للتنمية الشاملة، فأكبر المُتضرّرين على الإطلاق من هذا القانون ليست السعودية بل إيران. فصحيح أنها في قائمة الإرهاب، وأنه بالإمكان مقاضاتها بلا جاستا، ولكن هذا القانون سيمنع الرئيس من استخدام الفيتو في حال حكمت المحكمة عليها».
من جهته، حذّر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد الخليفة، في تغريدة على موقع «تويتر»، من أن القانون «سهم أطلقه الكونغرس الأميركي على بلاده»، متسائلاً: «أليس منكم رجل رشيد؟».
وعلى الرغم من أن علاقات البلدين شابها فتور متزايد منذ وصول أوباما إلى الحكم مطلع العام 2009، إلا أن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب لم يتأثر بحرارة العلاقة السياسية. لكنّ تكهّن بعض المُحلّلين أن بوسع الرياض الردّ بتقييد التعاون في المجال الأمني في علاقة لها أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، ومساعي السلام في الصراعات العربية، بالإضافة إلى تقليص التجارة الأميركية مع السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة العربية.
وكانت تقارير صحافية أشارت سابقاً إلى أن السعودية لوّحت بسحب مليارات الدولارات من الاستثمارات في الولايات المتحدة في حال إقرار القانون، على الرغم من أن مسؤولين سعوديين قلّلوا من أهمية هذه التقارير.
ولا توجد أرقام رسمية مُحدّدة لحجم وقيمة الأصول السعودية في الولايات المتّحدة، نظراً للتعتيم الذي تفرضه وزارة الخزينة الأميركية، التي تقوم بنشر معلومات عامة عن حجم الأصول والسندات التي تُقسّمها الخزينة الأميركية وفقاً للمناطق حيث تُدرج السعودية مع كل من البحرين وإيران والعراق والكويت وعُمان وقطر والإمارات في مجموعة واحدة.
ورجّح رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد فواز جرجس لقناة «سي ان ان»، أن تتراوح قيمة هذه الأصول بين 700 مليار إلى تريليون دولار، حيث بلغ حجم الأصول التي تملكها المجموعة ومنها السعودية، وفقاً للتقرير الأخير الأولي للعام 2015- 2016 لوزارة الخزينة، 612,371 مليار دولار إلى جانب سيولة حجمها 285,238 مليار دولار تُضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264,768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62,370 مليار دولار.
وكالات-