يثير تجاوز الكونغرس لفيتو «أوباما»، الذي سمح للأمريكيين بمقاضاة السعودية لارتباطها بمؤامرة هجمات سبتمبر/أيلول، الكثير من التساؤلات، ليس آخرها حول علاقة السعودية بالجماعات الإرهابية اليوم. وكانت السعودية قد قطعت شوطًا كبيرًا في محاربة الإرهاب في الـ 15 عامًا الأخيرة، ولكن لازال أمامها الكثير لتقدمه.
قبل الهجمات، أو في الواقع قبل أن تبدأ القاعدة بمهاجمة السعودية مباشرة في عام 2003، لم تكن السعودية تقدم دورًا في محاربة الإرهاب، بل كانت جزءًا من المشكلة أكثر مما كانت جزءا من الحل. ومنذ ذلك الحين، أصبحت السعودية شريكًا حيويًا في محاربة الإرهاب، وترجع الكثير من النجاحات ضد القاعدة خصيصًا، في جزء كبير منها إلى التعاون السعودي. ويعود صناع السياسة اليوم للتذكير بأن السعودية شريك أساسي ولكنها ليست صديقا. فالولايات المتحدة والسعودية يتشاركان العديد من المصالح المشتركة، ولكن لا يتشاركان في قيم مشتركة ولا نظرة مشتركة للعالم.
ما هو الرابط بالتحديد؟
إنّ فهم علاقة السعودية بالإرهابيين معقدة للغاية إذا ما قورنت بعلاقة إيران بدعم الإرهاب، والذي يعدّ دعمًا مفتوحًا ترعاه الدولة. أغلب الدعم السعودي يتم عن طريق جهات فاعلة غير حكومية. وتتمتع الجهات الفاعلة غير الحكومية بعلاقات واسعة مع النظام. البعض منهم يتلقى أو تلقى رعاية رسمية. وهناك آخرون مرتبطون برجال الدين، تم احتضانهم بشكل غير مباشر عن طريق تنصيب النظام السعودي نفسه كحامي حمى المؤمنين. ويظل هناك البعض ممكن يعملون بشكل خاص بعيدًا عن الدولة وضدها أحيانًا أيضًا.
النظام السعودي ليس الحكومة فحسب، فمع وجود عشرات الآلاف من الأمراء في العائلة المالكة، توجد احتمالية لتورط بعض هؤلاء في دعم الإرهابيين، والملك «سلمان» نفسه قد جمع المال للمجاهدين في أفغانستان والبلقان.
العديد من تلك الأصوات تعد مسؤولة عن طريق زرع «العقيدة المتشددة» حتى وإن لم يشاركوا بشكل مباشر في العنف. وهذا يعني أنهم قد نشروا أفكارًا تشيطن اليهود وتصف الشيعة بالردة والأحمدية بالهرطقة، وتشرعن استخدام العنف ضد المحتلين الأجانب للأراضي المسلمة، كالقوات الهندية في كشمير، والقوات الأمريكية في العراق، والإسرائيليين في فلسطين التاريخية. وفي داخل الولايات المتحدة، من الممكن ألا يعجبهم ذلك الدعم، لكنه في النهاية جزء من حرية التعبير المحمية. أما بالنسبة للمتشددين، فإنّ تلك الأفكار تعطيهم شرعية لأفعالهم، وتمكنهم من الحصول على الجنود والأموال.
ضغط خلف الكواليس
ربما يكون تأثير واشنطن على السعودية ليس قويًا، ولكن ما يبدو من التحول الجذري للسعودية تجاه تلك القضايا، أن كلًا من إدارتي «بوش» و«أوباما» قد مارستا ضغطًا كبيرًا على النظام السعودي. وحتى وإن كان التحول الأكبر قد حدث تحت ضغط التهديدات التي أتت من قبل تلك الجماعات الإرهابية، فإنّ هناك نجاحا ملموسا يستحق الإشادة به.
من الصعب تغيير السياسة السعودية أبعد من ذلك. فعل الرغم من بيع واشنطن أسلحة للرياض بقيمة 100 مليار دولار في عهد «أوباما»، لازال الإعلام السعودي ينتقد الرئيس مشيرًا إلى عداوته للمملكة. كما تشعر الرياض بالإحباط تجاه سياسة الولايات المتحدة مؤخرًا مع إيران على وجه الخصوص وفي المنطقة بشكل عام. كما أننا يجب أن نتذكر أن السعودية لا تتفق مع قيم المجتمع الأمريكي من حقوق حرية المرأة والمثلية الجنسية والحريات الدينية، والحريات الأساسية الأخرى التي تعد مبادئ أصيلة داخل المجتمع الأمريكي.
وتلمس العديد من القضايا المتعلقة بالحرب على الإرهاب، ولاسيما تعزيز «التطرف» خارج البلاد وانتقاد غير المسلمين، جوهر قضايا داخلية حيوية حول شرعية النظام وبقائه. وينبغي للولايات المتحدة أن تتوقع البطء في تغير تلك السياسات، وأن تراعي التحديات التي تواجه النظام داخليًا.
ودائمًا ما كان الضغط الهادئ يأتي بنتائج طيبة في تغيير سياسات سعودية، ولكن إذا زاد الضغط بما يعرض النظام السعودي للحرج أمام مواطنيه، فربما يأتي ذلك بنتائج عكسية.
وتعدّ السعودية شريكًا أساسيًا في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة والجماعات الأخرى. ولكنها ليست صديقا. ولكن تشويه صورة السعودية لا يساعد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وكذلك لا يمكن توقع أن تكون واشنطن والرياض تحالفًا كاملًا نظرًا لاختلاف القيم بين البلدين.
بروكنغز - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-