بعد أيام قليلة فقط من إقرار الكونغرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف اختصاراً بـ"جاستا"، وهو أحد أكثر القوانين إثارة للجدل في الولايات المتحدة، يبدو أن الندم بدأ يصيب شيوخ الكونغرس الأمريكي.
فقد أعرب السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، والذي صوت لتمرير القانون الذي يسمح لعائلات ضحايا "الهجمات الإرهابية" بمقاضاة دول أجنبية، عن اعتقاده بوجود عواقب لـ"جاستا".
وقال ماكونيل في تصريحات نقلتها شبكة "CNN" الأمريكية: "يبدو أنه قد يوجد بعض العواقب غير المقصودة لذلك، وأعتقد أنه يستحق المزيد من النقاش، لكن من المؤكد أنه لن يتم إصلاحه هذا الأسبوع".
وأوضح ماكونيل أن "تركيز المشرعين كان منصباً على احتياجات عائلات ضحايا 11 سبتمبر، ولم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير في العواقب"، مبيناً أن "الجميع كان يدرك من المستفيدين، ولكن لم يركز أحد على الجوانب السلبية المحتملة فيما يخص علاقاتنا الدولية".
وبحسب الـ "CNN" فمن المتوقع أن يقوم الكونغرس الأمريكي بإجراء هذا التعديل في آخر دوراته البرلمانية، بعد انتخاب الكونغرس الجديد في أعقاب انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني؛ أي قبل انعقاد المجلس الجديد، ولكي يوفر للمشرعين ظروفاً مواتية دون الخوف من أي تبعات سياسية.
يذكر أن الكونغرس الأمريكي أقر يوم الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، قانون "جاستا"، بأغلبية كاسحة في مجلسي الشيوخ والنواب، وكسر فيتو الرئيس باراك أوباما على القانون، الذي يمنح عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر الحق بملاحقة السعودية قضائياً، على دورها المزعوم في الهجمات.
وحذرت الخارجية السعودية من "العواقب الوخيمة" التي قد تنتج عن قرار الكونغرس الأمريكي تبني قانون يجيز ملاحقة الرياض على خلفية اعتداءات 11 سبتمبر، داعية الكونغرس إلى اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة، التي قد تترتب من هذا القانون على العلاقات بين البلدان.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، عبر مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية عن خيبة أمل الإدارة الأمريكية لتجاوز الكونغرس "فيتو" الرئيس باراك أوباما على قانون "جاستا".
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه: "على الرغم من أننا لا نزال نتعاطف بشدة مع أسر ضحايا 11 سبتمبر ورغبتهم في تحقيق العدالة، فإن هذا التشريع يمكن أن يحمل معه مجموعة واسعة من الآثار السلبية الخطيرة على مصالح الولايات المتحدة في العالم".
وتابع: "هذا التشريع يقوم بإجراء تغييرات في قانون الولايات المتحدة بشأن الحصانة السيادية، وتجريد جميع الحكومات من الحصانة في قضايا معينة، وقد عبر عدد من الشركاء الدوليين عن قلقهم إزاء هذا التشريع، ونحن نشاطرهم هذا القلق أيضاً".
وأكد المسؤول الأمريكي أن العلاقة بين واشنطن والرياض "قوية ومتينة، وسبق أن وقفت أمام اختبار الزمن"، مضيفاً: "هذه العلاقة تقوم على مجموعة واسعة من المصالح، وسوف نواصل العمل مع حكومة المملكة على بعض من القضايا العالمية والإقليمية الأكثر إلحاحاً".
وكان الدبلوماسي الأمريكي في وزارة الخارجية الأمريكية، آدم ماكلن، قد توقع في حديث سابق مع "الخليج أونلاين"، أن القانون لن يبقى بصيغته الحالية، وستتم مناقشة تعديله، وربما يتم إلغاؤه مستقبلاً، مشيراً إلى أن "الجهات السيادية في الولايات المتحدة متأكدة من أن السعودية غير متورطة، وبالعكس المملكة العربية السعودية قدمت معلومات للولايات المتحدة ساهمت في إحباط الكثير من العمليات الإرهابية، وهو ما نضعه في عين الاعتبار".
وأثار "جاستا" منذ الإعلان عنه وحتى دخوله حيز التنفيذ رسمياً جدلاً وردود أفعال دولية واسعة، إذ ينظر إليه على أنه سيعيد صياغة العلاقات الدولية والمفاهيم الدبلوماسية من جديد، لتشريعه محاكمة حكومات ودول لمجرد الشبهة أو قيام مواطني دولة ما بأعمال إرهابية ضد المصالح الأمريكية؛ الأمر الذي سيترتب عليه آثار دبلوماسية وسياسية واقتصادية ليست في مصلحة الولايات المتحدة.
وحذر كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا والصين وروسيا، من أن اعتماد مثل هذا القانون، سيدفع بلداناً أخرى إلى تطبيق مبدأ التعامل بالمثل؛ ما سينعكس سلباً على العلاقات الدولية برمتها، ويشكل سابقة خطيرة في التعامل بين الدول.
عبدالله حاتم - الخليج أونلاين-