لا يزال الجدل قائما حول قانون جاستا، ولم يكن مفاجئا أن بعض أعضاء الكونجرس صوتوا لنقض فيتو الرئيس اوباما، ثم صرحوا بأن القانون قد يضر بمصالح الولايات المتحدة، واستذكروا، بعد التصويت بالطبع، أن مبررات فيتو اوباما كانت قوية، كما استذكروا بأن فيتو الرئيس لم يكن اعتباطا، بل كان مبنيا على رؤية شخصيتين من العيار الثقيل، مدير المخابرات الأمريكية (سي آي إي)، ورئيس هيئة الأركان، ولا يمكن أن يتخذ الرئيس أي قرار استراتيجي، دون الرجوع لهاتين الشخصيتين، وسبب هذا التناقض، بين تصويت أعضاء الكونجرس ضد الفيتو، وتصريحاتهم اللاحقة، هو أن مشروع القانون تم عرضه في توقيت محرج، أي قبل موسم الإنتخابات بفترة قصيرة، ومن الصعب على أي منهم أن يدعم فيتو الرئيس، لأن هذا يعني ببساطة خسارة معركة إعادة الانتخاب، خصوصا في ظل الحملة الأعلامية لدعم قانون جاستا، وبالتالي فإن هذا يعني أن هناك أعضاء في الكونجرس صوتوا ضد رغبتهم الحقيقية، لأسباب انتخابية، وهذا قد يعطي بعض الأمل في مواقف أكثر إيجابية، بعد نهاية الانتخابات، وهدوء العاصفة.
الأكثر طرافة، والذي خدم قضية المملكة، هو موقف عضو مجلس الشيوخ ،عن ولاية كنتاكي الجنوبية، ميتش مكونيل، وهو سياسي يعتريه الحمق، ومصدرا ملهما للسخرية، في البرامج الكوميدية، ويثير الجدل بمواقفه على الدوام، وهو من شاكلة ترمب، إذ هو يميني متطرف حد العنصرية، وحينما انتخب الرئيس أوباما، في عام 2008، غضب السيناتور ميكونيل، وأخذ عهدا على نفسه، بأن يجعل أوباما رئيسا لفترة واحدة فقط، وبالتالي فقد نذر نفسه، مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، لمناكفة أوباما، ومحاولة تعطيل قراراته، حتى ولو كانت في صالح الشعب الأمريكي، مثل قانون الرعاية الصحية، وقد زادت وتيرة حنق هذا السيناتور ، عندما تمت إعادة انتخاب أوباما، في عام 2012، فأصبح خصما أكثر شراسة، مهمته الأساسية تعطيل عمل أوباما، بدلا من خدمة من انتخبوه عضوا في مجلس الشيوخ، وهو المجلس الراقي، الذي يعتبر البرلمان الأعلى، والأكثر أهمية، مقارنة بمجلس النواب، إذ أن عدد أعضائع مائة فقط (اثنان يمثلان كل ولاية من الولايات الخمسين)، في مقابل 435 عضوا في مجلس النواب.
بعد التصويت ضد فيتو أوباما في مجلس الشيوخ ، مارس السيناتور مكونيل جهله ومناكفته للرئيس كالعادة، وصرح بأنه كان لزاما على أوباما أن يشرح لهم تبعات هذا القانون، قبل التصويت عليه!!، مع أن أوباما كان قد كتب ثلاث صفحات كاملة يشرح فيها مبررات الفيتو!، كما أن مجلس الشيوخ، الذي يعتبر ميكونيل أحد أهم قياداته، هو مصدر قانون جاستا، وصوت بإجازته، قبل خمسة أشهر، بدعم من ميكونيل ذاته!، وحينها انبرى بعض المعلقين السياسين، في القنوات التلفزيونية والصحف الكبرى، للحديث عن حمق وجهل السيناتور مكونيل، وكيف أنه يلقي بالمسؤولية على أوباما في أمر هو المسؤول عنه، وتساؤل بعضهم عن مستوى عقليته، وكيف انتخبه الشعب في ولاية كنتاكي، وكان الأطرف هو المعلق الذي كتب :» لا تقسو على السيناتور مكونيل، فلعله سقط على رأسه حينما كان طفلا، وتأثر دماغه بذلك «، وعلى أي حال، فما فعله ميكونيل، بدا وكأنه في صالح المملكة، فقد عاد الحديث بقوة عن قانون جاستا، وحرص الجميع على معرفة كل التفاصيل عنه، كما تطرق البعض لمصداقية تصويت الكونجرس، ونسبة الأعضاء الذين صوتوا ضد الفيتو، وهم قد لا يدركون تبعاته، مثل السيناتور ميكونيل، وقد يحدث تعديل على القانون نتيجة لذلك، ولكن مهلا، فقد لا يكون هذا التعديل في صالح المملكة، فحديث معظم أعضاء الكونجرس، بعد نقضهم لفيتو أوباما، ليس من باب التعاطف مع المملكة، ولكن بسبب خشيتهم من ارتداد تبعات هذا القانون على أمريكا، وبالتالي فإن ما أخشاه هو أن يتم تعديل القانون، ليصبح مفصلا 100% على المملكة، أي خاصا بإرهاب سبتمبر، وهنا يتوجب علينا إعادة النظر في آلية مواجهاتنا للأزمات، وآلية اختيار القائمين على ذلك، فالوضع لا يحتمل المجاملات أبدا أبدا، فهل نفعل قبل فوات الأوان؟!.
د. أحمد الفراج - الجزيرة السعودية-