قبل تصديق الكونغرس الأمريكي، الشهر الماضي، على قانون «جوستا»، كانت هناك تلويحات من المسؤولين السعوديين بلجوء المملكة إلى سحب أصولها واستثماراتها من الولايات المتحدة حال إقرار هذا القانون.
ورغم استبعاد بعض المحللين لجوء المملكة إلى هذه الخطوة، إلا أن ما نشرته وكالة وكالة «بلومبرغ» الأمريكية، المتخصصة في قطاع المال والأعمال، أمس الأربعاء، حول بدء السعودية مفاوضات مع مؤسسات مالية دولية لبيع سنداتها لدى عدد من دول العالم، ربما يؤكد جدية المملكة في تنفيذ تهديداتها.
وتخشى القيادة السعودية من تجميد أموالها في الولايات المتحدة بقرارات من المحاكم الأمريكية بسبب قانون «جيستا»، الذي يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بمقاضاة السعودية، وطلب تعويضات منها، بسبب هذه الهجمات التي شارك فيها مواطنون سعوديون.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما حجم المال السعودي في الاقتصاد الأمريكي؟
رغم عدم وجود أرقام رسمية محددة لحجم وقيمة هذه الأصول نظرا للتعتيم الذي تفرضه وزارة الخزينة الأمريكية، والتي تقوم، في أغلب الأحوال، بنشر معلومات عامة عن حجم الأصول والسندات التي تقسمها الخزينة الأمريكية وفقا للمناطق؛ حيث تدرج السعودية مع كل من البحرين وإيران والعراق والكويت وعُمان وقطر والإمارات في مجموعة واحد.
لكن هناك بعض الأرقام والمؤشرات التي أوردها الوزارة ذاتها، أو جاءت على لسان خبراء أو وسائل إعلامية أمريكية ومنها شبكة «سي إن إن» ووكالة «بلومبرغ» المتخصصة في قطاع المال والأعمال، تسلط الضوء، ولو بشكل جزئي، على الحجم الكبير لهذه الأصول، وهو ما نورده في النقاط التالية:
- أوضحت وزارة الخزينة الأمريكية في تقرير أصدرته بموجب قانون «حق الحصول على المعلومات» امتلاك السعودية سندات خزينة أمريكية بقيمة 116.8 مليار دولار، بنهاية مارس/آذار الماضي، وتحتل بها المرتبة الأولى خليجيا من حيث حجم الاستثمارات في السندات الأمريكية، تليها الإمارات باستثمارات (62.5 مليارات دولار)، ثم الكويت (31.2 مليارات دولار)، وسلطنة عمان (15.9 مليارات دولار)، وقطر (3.7 مليارات دولار) والبحرين (و1.2 مليارات دولار).
وما أعلنته وزارة الخزانة هو استثمارات الدول الخليجية في أذون وسندات الخزانة الأمريكية فقط، ولا تشمل استثمارات هذه الدول الأخرى في الولايات المتحدة، سواء كانت حكومية أو خاصة.
- تمتلك شركة «أرامكو» الحكومية السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، كامل مصفاة «بورت آرثر» الأكبر في أمريكا إلى جانب 26 منصة توزيع، ورخصة «شل» لتوزيع الوقود والديزل في ولاية تكساس.
وتعتبر مصفاة «بورت آرثر» «جوهرة التاج» بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية كون طاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا؛ الأمر الذي يتيح لـ«أرامكو» الحصول على موقع استراتيجي يسمح لها بنقل نفطها الخام إليها وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا الشمالية.
- مشروع «صدارة» المشترك بين «أرامكو» السعودية و«داو كيميكال» الأمريكية سيكون أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم باستثمار 20 مليار دولار.
- أكد صندوق الاستثمارات العامة السعودي أن المملكة هي أكبر شريك تجاري لأمريكا في الشرق الأوسط بمستوى تبادل يصل إلى 62 مليار دولار سنويا.
- تتضمن خطة التحول الاقتصادي السعودية الملقبة بـ«رؤية السعودية 2030» عشرات المشاريع العملاقة التي يمكن لشركات أمريكية المشاركة فيها.
- هناك مشروع مشترك للألمنيوم بين شركة التعدين العربية السعودية «معادن» وشركة «الكوا» الأمريكية باستثمار يبلغ 10.8 مليار دولار لبناء أكبر مجمع متكامل في العالم لإنتاج الألمنيوم.
- في 17 أبريل/نيسان الماضي، قال «فواز جرجس»، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في «كلية لندن للاقتصاد»، لـ«سي إن إن»، إن الأصول السعودية في الولايات المتحدة تتراوح قيمتها بين 700 مليار إلى تريليون دولار.
لكن هل السعودية جادة بالفعل في بيع أصولها بالولايات المتحدة وتنفيذ تهديدها خاصة بعد إقرار قانون «جيستا»؟
الإجابة على هذا السؤال ربما تتوفر في تسريبات نشرتها وسائل إعلام أمريكية، وفي ضوء الوضع المالي الصعب الذي تواجهه المملكة حاليا جراء التراجع الحاد في أسعار النفط، المصدر الرئيسي لدخلها.
ففي وقت سابق، نقلت «سي إن إن» عن مسؤولين أمريكيين أن السعودية حذرت من أنها قد تبيع أصول تقدر بمليارات الدولارات في أمريكا، إذا تم تمرير قانون «جيستا».
وقال مسؤولان كبيران بوزارة الخارجية الأمريكية إن وزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، وجه هذا التحذير إلى مشرعين بالكونغرس خلال زيارته إلى واشنطن، في مارس/آذار الماضي.
والأسبوع الجاري، نقلت وكالة الأنباء السعودية عن متحدث باسم الخارجية السعودية قوله «إن هذا القانون يشكل مصدر قلق كبير» لبلاده، داعيا الكونغرس الأمريكي إلى اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب» على هذا القانون على العلاقات بين البلدان.
ورغم أن المتحدث لم يكشف عن ماهية هذه العواقب، لكنها قد تحلينا إلى تهديد المسؤولين السعوديين سابقا ببيع المملكة لأصولها في الولايات المتحدة.
وعن جدية السعودية في تنفيذ تهديدها، تحديد السعودية قال «فواز جرجس»، لـ«سي إن إن»: «لا أعتقد أنها خدعة»، وأضاف أن زيارة «الجبير»، في مارس/آذار الماضي، إلى واشنطن كانت لتوصيل رسالة القيادة السعودية، تظهر مدى جدية تفكير القيادة السعودية في هذا الأمر.
وأوضح أن القيادة السعودية تخشى من تجميد مليارات الدولارات التي تمتلكها بقرارات من المحاكم الأمريكية بسبب قانون «جيستا».
وأمس الأربعاء، قالت وكالة «بلومبرغ» الأمريكية، المتخصصة في قطاع المال والأعمال، إن السعودية بدأت مفاوضات مع مؤسسات مالية دولية لبيع سنداتها لدى عدد من دول العالم، وذلك بعد مرور أقل من أسبوع على إصدار قانون «جاستا»؛ الأمر الذي قد يعني جدية المملكة في تنفيذ تهديدها، رغم أن الوكالة الأمريكية لم تحدد بالضبط البلدان التي ستبيع المملكة أصولها فيها.
وأشارت الوكالة إلى أن عدد من كبار المسؤولين بوزارة الاقتصاد السعودية والبنك المركزي يشاركون في هذه الاجتماعات، بالإضافة لبعض المسؤولين بعدد من الشركات السعودية مثل شركة الاتصالات السعودية وسابك ومجموعة سامبا المالية.
عجز الميزانية التي تواجه السعودية ربما يكون أيضا خطوة مشجعة لها على المضي في هذه الخطورة؛ حيث أقرت المملكة موازنتها للعام المالي الحالي 2016، بعجز متوقع بلغ نحو 87 مليار دولار، لكن مراقبين يقولون إن العجز سيتجاوز هذا الرقم بكثير.
وفي 28 سبتمبر/أيلول الماضي أبطل الكونغرس الأمريكي، حق النقض «الفيتو»، الذي استخدمه الرئيس «باراك أوباما»، في 23 سبتمبر/آيلول الماضي ضد قانون «جيستا».
وفي 11 سبتمبر/أيلول 2001، نفذ 19 من عناصر تنظيم «القاعدة» باستخدام طائرات ركاب مدنية، هجوماً ضد أهداف حيوية داخل الولايات المتحدة، أبرزها برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ما أدى لمقتل آلاف الأشخاص، وكان 15 من منفذي هذه الهجمات سعوديون.
الخليج الجديد-