مشكور الكونغرس الأميركي على إقراره قانون «العدالة لرعاة الإرهاب» الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى محاسبة الدول المتورطة بدعم منفذي هجمات 11 أيلول العام 2001. الكونغرس مشكور مرتين. مرة لأنه صوّت على القانون والثانية لأنه صوت بالإجماع ضد قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما نقض القانون المذكور، بسبب الأخطار التي قد يجرها إلى الأميركيين حول العالم نظراً لحجم التدخل الأميركي في نزاعات الآخرين.
للقانون الجديد المعروف باسم «جاستا» اختصاراً، أعداء كثر حول العالم. فهو بداية يخرق مبدأ اساسياً من مبادئ سيادة الدول يحميها من تبعات تصرفات رعاياها. باختصار، يحق لضحايا 11 أيلول مقاضاة السعودية بسبب تورط 15 سعودياً بالاعتداءات المذكورة، ولو لم يكن هناك دليل على قرار رسمي بتنفيذ الهجمات، بل مجرد تقديم دعم مالي أو تسهيلات سفر وإقامة أو غيرها من التسهيلات التي تقدمها القنصليات عادة، فكيف بالسعودية «المنغمسة» بنظام رعائي هو الركن الأول في العلاقة بين السلطة ورعاياها.
الكونغرس اتخذ قراراً سجالياً بإجماع المعارضين والمؤيدين الذين يُعدّون تعديلات تلطّف القانون المذكور مع بداية ولاية النواب الجدد الشهر المقبل. وسبب الاعتراض الرئيس هو ما ساقته السعودية حول ضرورة احترام الدول ذات السيادة، والتي لا تحاكم في محاكم دول أخرى. وقد اعتبر أوباما في معرض معارضته القانون أن من السهولة بناء على مبدأ المعاملة بالمثل أن يحاكم عسكريون ودبلوماسيون أميركيون حول العالم بسبب جرائم ارتكبوها أو تواطأوا على فعلها. وهنا بيت القصيد وسبب شكر الكونغرس. الأمر لا علاقة له بالسعودية، فالمملكة ترتبط بعروة وثقى مع واشنطن تبدأ بالسياسة ولا تنتهي بالمال، حيث تتجاوز الاستثمارات السعودية الألف مليار دولار في الولايات المتحدة، كذلك العلاقة مع إسرائيل فهي تتطور تجارياً وتقنياً وأمنياً بما يجرّ معهما باقي القطاعات. الرياض تعرف تماماً كيف تخرج من «جاستا»، واللوبي السعودي في واشنطن، يملك ما يكفي من الإمكانات لصياغة تسويات مالية توقف مسلسل الإحراج المستجدّ بين البلدين.
شكر الكونغرس، ليس تحاملاً على السعودية، بل هو ببساطة بسبب هذه السابقة القانونية الدولية التي تتيح إذا طبقت المعاملة بالمثل، محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على ما ارتكبوه في لبنان وسوريا ومصر وتونس وغيرها، وعلى الجريمة الإرهابية الأكبر في التاريخ، قتل الفلسطينيين وتشريدهم وإعادة قتلهم حيث تشرّدوا، ليتشرّدوا الى مخيمات مبعثرة.
معلوم أن غالبية يعتد بها من العسكريين الإسرائيليين والسياسيين يحملون الجنسية الأميركية. طبعاً الحكومات العربية لن تقنص فرصة «جاستا» وستكتفي بأن تردّد الموقف السعودي الذي عبر عن قلق الدول ذات السيادة على النظام العالمي، والذي «يشكل انتهاكاً لمبدأ أساسي يمنع إقامة الدعاوى القضائية على الحكومات وينظم العلاقات الدولية منذ مئات السنين».
المسألة ليست مع السعودية أو في تحوّل العلاقات بين الرياض والإدارة الاميركية، صحيح أن الودّ بين أوباما والخليج مفقود، منذ الانفتاح على إيران ونقده المستمر لغياب الحريات والمشاركة في سلطة المشايخ، لكن أوباما يذهب وتبقى المصالح الخارجية الأميركية. المسألة هي في استخدام القانون المطالب بإنزال العدالة في رعاة الإرهاب، حيث يجب أن يُستخدم، ضد الإرهاب الأول في المنطقة إسرائيل، إلا اذا كانت المعارضة السعودية لـ «جاستا» حماية لها ولغيرها.
منير الخطيب- السفير اللبنانية-