تجاهل الكونغرس فيتو الرئيس «أوباما» الأسبوع الماضي للمرة الأولى خلال السنوات الثمان التي قضاها في منصبه. مشروع قانون «جاستا» يسمح لضحايا الإرهاب أو أسرهم بمقاضاة حكومات أجنبية يحملونها مسؤولية أعمال الإرهاب في أمريكا بدءا من هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حتى لو لم يتم تعيين هؤلاء المتهمين من قبل حكومة الولايات المتحدة باعتبارها من الدول الراعية للإرهاب.
أظهرت عمليات التصويت أمورا تثير الدهشة من خمسة طرق رئيسية:
المعارضون قاوموا بخنوع
عمل كل من البيت الأبيض وزعماء الكونغرس بجد لوقف تمرير مشروع القانون في شكله الحالي. في أبريل/نيسان، حذر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض «جوش إرنست»، من أن هذا القانون يضع مبدأ الحصانة السيادية على المحك، ويهدد الحصانة التقليدية للحكومات من الملاحقة القضائية في الخارج.
اعترض «أوباما» على مشروع القانون الشهر الماضي، وانتظر أطول فترة ممكنة للقيام بذلك على أمل أن يتم ذلك من الكونغرس. وكانت محاربة مشروع القانون في البيت الأبيض باهتة بشكل غير عادي.
السيناتور «جون كورنين»، أحد مؤيدي القانون، أشار إلى أن الإدارة كانت شبه غائبة خلال العملية التشريعية. ووافق السناتور «ريتشارد بلومنتا»، على أن البيت الأبيض دخل «في وقت متأخر إلى هذه اللعبة».
وقد سعى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ «بوب كوركر» إلى تضييق مشروع القانون، لكنه قال إن هناك «عدم مشاركة من البيت الأبيض». ولم تتلق الطلبات المتكررة لعقد اجتماع للحزبين الجمهوري والديمقراطي مع مسؤولي البيت الأبيض لتنسيق المعارضة أي رد.
اتهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» (جمهوري من كنتاكي) الإدارة بأنها لم تفعل ما يكفي لشرح الضرر المحتمل لأعضاء الكونغرس بسبب مشروع القانون. وردا على ذلك قال «إرنست» إن «الجهل ليس عذرا» عندما يكون الأمن القومي على المحك، واستشهد بعدة رسائل إلى الكونغرس من المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال، والحكومات الأجنبية المعنية.
وقع ثمانية وعشرون من أعضاء مجلس الشيوخ خطابا يحث على تحجيم القانون، ولكن الخطاب لم يعلن إلا بعد تمرير مشروع القانون.
ضربة للوبي السعودي
أنفقت السعودية بالفعل 9.4 مليون دولار على العلاقات العامة والضغط في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 2015، وفي الشهر الماضي وقعت عقدا إضافيا مع خمسة من الشركات الأمريكية ، ليصل المبلغ شهريا إلى حوالي 1.3 مليون دولار. ضغطت هذه الشركات أيضا ضد مشروع القانون، وعلى الأرجح ساهمت الشركات المستثمرة في المملكة، بما في ذلك شركة داو للكيماويات، وشركة شيفرون، وشركة جنرال إلكتريك، في الضغط أيضا.
أبرز التصويت الساحق الوضع السيء لمؤيدي المملكة العربية السعودية . التصويت لتجاوز فيتو «أوباما» أقره 348 مقابل 77 في مجلس النواب، وكانت النسبة أقل توازنا في مجلس الشيوخ بواقع 97 مقابل 1.
الأمر لم ينته بعد
تركز الكثير من النقاش قبل يوم الأربعاء بشأن ما إذا كان قانون «جاستا» ينبغي اعتماده، ولكن الآن مشروع القانون تم تمريره. ولكن قد تمر تشريعات إضافية في الكونجرس بعد نوفمبر لتضييق نطاق «جاستا»، وهي خطوة يؤيدها أكثر من ربع أعضاء مجلس الشيوخ بالفعل على ما يبدو . وقال الداعمون الرئيسيون للقانون في مجلس الشيوخ أنهم على استعداد لإعادة النظر في القانون، ولكن البعض رفض اقتراحات لتضييق نطاقه لاستبعاد كل الهجمات الإرهابية في الماضي أو في المستقبل بخلاف 11 سبتمبر/أيلول. وأصر السيناتور «تشاك شومر» على أن ذلك من شأنه أن يقول لرعاة الإرهاب «امضوا قدما مرة أخرى ولن نعاقبكم».
هناك طرق أخرى للحفاظ على «جاستا» مع تضيق آثارها الجانبية. يمكن الحد من نطاقه فقط ليشمل الهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية. وهذا يمكن على سبيل المثال أن يقيد تركيا عن اتهام واشنطن بانتهاك مبادئ «جاستا» حال لم تقم بتسليم «فتح الله غولن»، الواعظ التركي في ولاية بنسلفانيا الذي تصنفه أنقرة كإرهابي.
فكرة أخرى يمكن أن تخفف تأثير القانون على سلامة الدبلوماسيين الأمريكيين وأعضاء الخدمة في الخارج من خلال توضيح أن إعادة النظر في الحصانة من الدول ليس له أي تأثير على وجهات نظر أميركا الصارمة فيما يتعلق بضرورة احترام الحصانة الشخصية للمسؤولين الدبلوماسيين أو الجيش أوكل من يتصرف بصفة رسمية. بإمكان الكونغرس أيضا تكليف الإدارة بصياغة استراتيجية لردع أو معاقبة الدول الأجنبية التي قد تتجاوز هذه الحدود على حساب المواطنين الأمريكيين.
رد الفعل الخليجي؟
يدأ الخلاف حول «جاستا» ربيع هذا العام عندما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن وزير الخارجية السعودي هدد أعضاء الكونغرس أن الرياض ستسحب ما يصل إلى 750 مليار دولار من الأصول في أسواق الولايات المتحدة خوفا من أن يتم تجميدها من قبل المحكمة. والآن بعد أن مر القانون حذر خبراء أن السعودية ودول الخليج المجاورة يمكن أيضا أن تعاقب أمريكا عن طريق حجب الدعم الحاسم عن الجهود الحالية ضد الإرهاب.
ولكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي رد فعل ملموس من الخليج. وكان رد الفعل الرسمي في الرياض هو بيان ترويضي يحث الكونجرس على تصحيح القانون لتجني العواقب الخطيرة. وعلى العكس من ذلك، بعد أيام قليلة من المصادقة على مشروع القانون لأول مرة مجلس النواب الشهر الماضي، قامت المملكة بالمزايدة على 1.5 دولار مليار في مصفاة للنفط في ولاية تكساس.
ماذا عن السياسة الخارجية الأميركية؟
السؤال الكبير هو كيف ستؤثر المعركة على الحصانة السيادية للسعودية في السياسة الخارجية الأمريكية.
يمكن أن يجعل ذلك واشنطن أكثر ميلا لمنح دول الخليج العربية تنازلات كبيرة لتعزيزعلاقات التحالف. على سبيل المثال، وافق البيت الأبيض على بيع طائرات مقاتلة متطورة لدول الخليج مثل قطر، والكويت، والبحرين التي كانت قد توقفت لسنوات، بعد ساعات فقط من تصويت الكونغرس.
وبالإضافة إلى ذلك، قال أن مرور قانون «جاستا» يمكن أن مدخلا لمحادثات الأمر الواقع بشأن سجل الرياض الكئيب لحقوق الإنسان.
بينما يتجه ضحايا 11 سبتمبر/أيلول وأسرهم إلى المحكمة، فإن أولويات حكومتهم تبدو قريبة من التحول في الاتجاه المعاكس: التقليل من الاختلافات الرئيسية للولايات المتحدة مع الرياض ومحاولة لبناء حصانة للدول ذات السيادة في الداخل والخارج.
ستراتفور - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-