تداعيات إضافة مزيد من التوتر إلى التحالف الهام بين واشنطن والرياض، عبر تمرير مجلس الشيوخ الأمريكي لمشروع قانون من شأنه أن يسمح للمواطنين باتهام السعودية بأحداث 11 سبتمبر/أيلول ورفع المطالبات القانونية ضدها، سوف تؤثر على ممارسات القانون الدولي، وسيكون لها عواقب خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة.
وقد فتح رفض الكونجرس فيتو الرئيس «أوباما» عل مشروع القانون الباب على مصراعيه لتجاهل القانون الدولي لصالح قانون الغاب. انتهاك حصانة دولة ذات سيادة من قبل حكومة أجنبية يتعارض مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ويمثل انتهاكا لحصانة الدبلوماسيين وحرمة البعثات، و تقويضا للسلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية.
الولايات المتحدة لديها وزارة خارجية وسلك دبلوماسي ويعمل بها بعض من الرجال والنساء الأبرع في هذا المجال. ولهذا فإن أعضاء مجلس الشيوخ يجب أن يكون لديهم فكرة عن الدور الدبلوماسي لهؤلاء في النهوض اليومي بمصالح الولايات المتحدة في العالم، حيث إن السعي لتمرير هذا المشروع يبدو شعبويا على نحو ساخر في أحسن الأحوال. وفي أسوأ الأحوال هو أمر مدمر. رفع المواطنين العاديين لشكاواهم ضد الدول القومية هو أقرب إلى شخص لا يعرف سوى القليل عن الطب يقوم بإجراء عمليات جراحية لنفسه. ماذا يحدث عندما يقوم الرعايا الأجانب الذين عانوا من أضرار جانبية نتيجة لعمليات الولايات المتحدة بفعل الشيء نفسه، ويتم إقرار أن دافع الضرائب الأمريكي سيقوم بدفع ثمن كل شيء من هجمات الطائرات بدون طيار إلى غوانتانامو، مما يفتح الباب أمام دعاوى قضائية لا حصر لها ضد حكومة الولايات المتحدة؟ هل سوف تصر الحكومات الأجنبية على الدفاع عن الحصانة السيادية للولايات المتحدة إذا كانت الولايات المتحدة تنتهك ذات المبدأ؟
وقال السيناتور «تشاك شومر» من نيويورك: «إذا لم يشارك السعوديين في هذا الإرهاب، فليس لديهم ما يخشونه من الذهاب إلى المحكمة». وأضاف: «ولكن إذا فعلوا ذلك، يجب أن يحاسبوا». «شومر»، الذي تخرج من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، يعرف بالتأكيد عاقبة الحديث عن الدولة القومية كما لو كانت شخصية اعتبارية. الأمم ليست أفرادها ولا يتم تطبيق ذات المعايير الأخلاقية للأفراد عليها.
وقد خلص تقرير لجنة 11/9 أنه «لا يبدو أن أي حكومة أخرى غير طالبان قدمت دعما ماليا لتنظيم القاعدة قبل الأحداث». وأنه «رغم اعتبار السعودية منذ فترة طويلة المصدر الرئيسي لتمويل تنظيم القاعدة، إلا أننا لم نجد أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين قد قاموا بتمويل المنظمة». وفي ثلاث مناسبات منفصلة، رفضت دعاوى قضائية في محكمة اتحادية (2006، 2008 و 2015) اتهمت المملكة برعاية الإرهاب. وفيما يتعلق بحجب 28 صفحة من تقرير اللجنة يدعي النقاد أنها ستكشف عن «دعم» السعودية للهجمات، فإن الحقيقة الباردة هي أن إدارة «بوش» قاومت رفع السرية عن التقرير بالكامل خوفا من المساس بمصادر المخابرات. السعوديون أنفسهم حثوا الولايات المتحدة على رفع السرية عن الـ28 صفحة منذ أكثر من عقد من الزمان. وقالوا عل لسان وزير الخارجية الراحل «سعود الفيصل»: «نريد أن نطلع عليها لسببين: إذا كانت هناك اتهامات ضد السعودية، فنحن نريد الرد علياها. ولكن إذا كان هناك أي معلومات عن أنصار للإرهابيين، فنحن نريد أن نعرفها لمحاصرة الوضع».
لا يكفي أن نقول أن السعودية لا تدعم الإرهاب. بل تجدر الإشارة إلى أن مكافحة السعودية للإرهاب نشطة. وقد فككت مؤامرات ضد الولايات المتحدة. حقق تعاون المخابرات السعودية والولايات المتحدة لكلا البلدين وضعا أكثر أمنا. وكما قال الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير «تركي الفيصل» في خطاب مفتوح إلى الرئيس «أوباما»: «شاركنا معك المعلومات الاستخبارية التي منعت عددا من الهجمات الإرهابية القاتلة في أمريكا». كما أشار السفير السابق للولايات المتحدة في السعودية «فورد فريكر» في مؤتمر حول العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، أنه «على الرغم من الضجيج السياسي، فإن العمل يوما بعد يوم في مكافحة الإرهاب وتبادل الاستخبارات هو أمر راسخ و يزداد قوة».
وعلاوة على ذلك، ساهمت السعودية بمبلغ 100 مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، كما قادت تحالفا لمكافحة الإرهاب يتألف من أكثر من 30 دولة ذات أغلبية مسلمة، وهذا يشير بوضوح أين تكمن الأولويات المالية والأيديولوجية للرياض.
لقد انخرط آل سعود، وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين في الخليج، في معركة مميتة مع هؤلاء المتطرفين منذ ما قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وكما قال الأمير «سعود الفيصل»، «هؤلاء الناس يهاجموننا. إنهم يقتلون منا. وبعض المهووسين يقول إننا نقوم بحماية أولئك الذين يريدون قتلنا».
عندما سعى الملك «عبد العزيز»، (ابن سعود)، لتوحيد قبائل شبه الجزيرة في مسعاه لتشكيل الدولة السعودية الحديثة، فقد شجع على ممارسة قديمة هي التزاوج بين القبائل. آل سعود اليوم هم أقرب إلى تكتل متنوع من القبائل التي تمثل أسلاف العديد من الأسر البارزة. وهذا يشبه البيت الملكي الأوروبي التقليدي.
عانى الناجون وعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية في سبتمبر/أيلول من خسائر لا يمكن قياسها. وعلى الرغم من الغضب وعلى الرغم من الأذى، فإن مقاضاة الدول الأجنبية لن يحقق العدالة كما أنه لن يجعل العالم مكانا أكثر أمنا لأمريكا وأصدقائها. العالم الذي نحن بحاجة إليه لابد أن يكون لدينا فيه تحالفات وتعاون وتفاهم.
وقبل عام، جلست الكاتبة السعودية «كوثر الأربش» لتكتب ما أتصور أنه أصعب بيان في حياتها. في 29 مايو/أيار 2015، قتل ابنها «محمد العيسى» جنبا إلى جنب مع ابن عمه حين في هجوم لتنظيم الدولة في مدينة الدمام. في بيان للأربش بعنوان وداعا إلى الأبد، ابني، قالت إنها لا تكتب كشخصية سياسية، ولا باعتبارها كاتبة مؤثرة، بل ببساطة كأم.
وفي وقت لاحق في بيان لها، سلطت «الأربش» الضوء على حقيقة أساسية. «هذه الهجمات لن تتوقف»، وكما تقول: «ما لم نحدد العدو الحقيقي: وهو الجهل». هذا هو لب الموضوع. سواء كان ذلك في السعودية، أوفي الولايات المتحدة، أو في أي مكان آخر، الحل لن يكون إلا من خلال نبذ التطرف والجهل ودعوات العنف التي تهدد بتسميم الجسم السياسي في دول العالم. علينا أن نتكاتف معا نحو مستقبل أقل انقساما، وأخشى أن المجرمين الذين يسعون إلى ترويعنا جميعا سيكون لهم اليد العليا ما لم نفعل ذلك.
هافينغتون بوست - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-