يمثّل إقرار الكونغرس الأميركي، في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، لـ "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف بـ "جاستا"، مؤشرًا آخرَ دالًا على التراجع المطّرد في علاقات البلدين واهتزاز أسس التحالف الطويل بينهما. وتعود جذور التحالف الأميركي - السعودي إلى الاجتماع الشهير الذي جمع بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود عام 1945، على متن البارجة الأميركية "يو أس كوينسي" في البحيرات المرة في مصر.
وكان الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، صوّت في 28 أيلول/ سبتمبر الماضي بأغلبية ساحقة على تجاوز حقّ النقض "الفيتو" الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد هذا القانون، الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 رفع قضايا تعويض مدنية ضد المملكة العربية السعودية أمام المحاكم الفدرالية الأميركية. ويُعدّ هذا أول فيتو يتم تجاوزه في الكونغرس، من أصل 11 فيتو استخدمها أوباما خلال رئاسته؛ وذلك بعد أن صوّت أغلب أعضاء حزبه من الديمقراطيين ضده. وقد عارض أوباما القانون على أساس أنه يلغي مبدأ "الحصانة السيادية" للدول، مع إمكانية معاملة الولايات المتحدة الأميركية بالمثل.
في الواقع، تتعرض أسس التحالف الأميركي - السعودي لامتحانٍ عسيرٍ منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ ذلك أنّ 15 مُختطِفًا للطائرات التي استُخدمت في الهجمات، كانوا مواطنين سعوديين، من أصل 19 مُختطِفًا. ويبدو أنّ "جاستا" يؤسس مرحلةً جديدةً في العلاقات بين الطرفين، تقوم على أساس تراجع مكانة المملكة العربية السعودية وأهميتها في المقاربة الأميركية الجديدة التي دفع بها أوباما نفسه خلال سنوات رئاسته الثمانية. ومن ثمّ، فإنّ "جاستا" يصبح عنوانًا لواقع جديد أخذ في التشكّل منذ عقد ونصف العقد، ودليلًا آخر على افتراق أوسع في الأجندة والمصالح الإقليمية بين الطرفين، وهو ما يهدد بمزيد من التوتر في العلاقات الثنائية، فضلًا عن الإضرار بالتعاون الوثيق بينهما حول حزمةٍ من القضايا والتحديات المشتركة، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والنفطية والأمنية والعسكرية.
وحدة تحليل السياسات- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-