كانت نية «أسامة بن لادن» عندما جند عددا من السعوديين بعناية لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر/أيول هي الوقيعة بين اثنين من أعدائه، وهما الولايات المتحدة والحكومة السعودية. وبعد خمسة عشر عاما من الهجمات، يظهر أن قانون «جاستا» يفعل ذلك تماما.
كان رد فعل الحكومة السعودية سريعا بعد أن صوت الكونجرس بأغلبية ساحقة لتجاوز فيتو الرئيس «باراك أوباما» ضد القانون الشهر الماضي، كما اتضح ذلك من رحلة وزير الخارجية «عادل الجبير إلى واشنطن الأسبوع الماضي. وقد جاء «الجبير» إلى وزارة الخارجية لعقد اجتماع مع وزير الخارجية «جون كيري»، ولكن ما سمعه هناك كان بالكاد مطمئنا. فقد قال «كيري» في المؤتمر الصحفي المشترك أنهما ناقشا الحصانة السيادية وأهمية إيجاد حل لـ«جاستا» يحترم احتياجات وحقوق ضحايا 11 سبتمبر/أيلول ولكن في نفس الوقت لا يعرض القوات الأمريكية وشركاءها والأفراد الأمريكيين الذين قد تكون لهم علاقات في بلد آخر إلى احتمال وجود دعوى قضائية. كان البيان بالتأكيد من جانب واحد.
ومما لا شك فيه أن الدبلوماسي السعودي قد استمع بنفور إلى نظيره الأمريكي وهو يصف الآثار السلبية للتشريعات على المصالح الأمريكية فقط، دون أن يذكر على الإطلاق الأثر الذي يمكن أن يمس المملكة العربية السعودية أو العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. في الواقع، تم اختيار كلمات وزير الخارجية بعناية.
في حلقة نقاش في اليوم التالي حول قانون «جاستا» برعاية معهد دراسات دول الخليج العربية أعرب الأمير «تركي الفيصل» عن غضبه من تركيز «كيري» على إصلاح القانون بحيث لا يمكن استهداف الجنود الأمريكيين والمصالح الأمريكية. وتعزز تصريحات وزير الخارجية فقط استياء السعودية من جهود الإدارة غير الكافية لهزيمة «جاستا» في الكونغرس.
وعلى الرغم من رفض الكونغرس الكاسح لفيتو الرئيس «أوباما»، يبقى السؤال حول ما إذا كان يمكن تطبيق «جاستا» في المحاكم. أشار المتحدثون في حلقة النقاش إلى أن التشريع يتعدي على السلطة الدستورية للرئيس في إدارة السياسة الخارجية. وفي حين لا يبدو من المرجح أن إدارة «أوباما» سوف تطعن في التشريع أمام المحكمة فإن الإدارة المقبلة قد تقرر اتخاذ موقف أكثر حزما في حماية السلطة التنفيذية وصلاحيات السياسة الخارجية.
كتب «ستيوارت نيوبيرجر»، وهو شريك في شركة المحاماة كروويل ومورينغ، التي تمتلك خبرة في تمثيل ضحايا الهجمات الإرهابية قائلا: «وعلاوة على ذلك، هناك عقبات الإثبات». يفرض «جاستا» أعلى مستوى من أدلة الإدانة ضد الدول الراعية للإرهاب. على سبيل المثال، فإنه يتطلب من الضحايا إظهار «أن دولة أجنبية في الواقع تآمرت مع الإرهابيين، أو ساعدت وحرضت سلوكهم». ويخلص «نيوبيرجر» أن الأمر قد يكون صعبا في إثباته.
في الواقع، على الرغم من أن دعاة قانون «جاستا» مثل السناتور السابق «بوب غراهام»، يصرون على أن الـ 28 صفحة الشهيرة الواردة في تقرير الكونغرس تقدم ملامح حول مزاعم تورط رسمي سعودي لدعم الخاطفين في 11 سبتمبر/أيلول، ففي الواقع، كتب «هاميلتون وكين» في مقال افتتاحي في صحيفة «يو إس إيه توداي» ضم استعراضا لكل الأدلة ذات الصلة، بما في ذلك الـ 28 صفحة، وخلص إلى أنه لا يوجد هناك «أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو أن كبار المسؤولين السعوديين قاموا بشكل فردي بتمويل تنظيم القاعدة». كما لاحظوا أن اللجنة المستقلة الثانية التي تم إنشاؤها من قبل الكونغرس حول الأدلة خلصت بالمثل إلى عدم وجود أدلة ضد الحكومة السعودية.
مما لا شك فيه، يدرك محامو المدعين جيدا العقبات التي ستواجه حتى الحصول على جلسة استماع في المحكمة، ناهيك عن النجاح فعليا في إثبات التورط السعودي الرسمي في هجوم 11 سبتمبر/أيلول في تحقيقات الحكومة الأمريكية. كما أن سنوات أو حتى عقود من التقاضي يمكن أن تمضي للنظر في موضوع الدعوى. لماذا قاموا إذن بالضغط من أجل تشريع ذلك بقوة مع أصدقائهم في الكونغرس؟ التفسير الأكثر ترجيحا هو أنه لم يكن لديهم أمل أن القضية سوف تصل إلى المحكمة. بدلا من ذلك، فهم يرون في «جاستا» حتى الآن رافعة أخرى، جنبا إلى جنب مع الـ28 صفحة، لإجبار السعوديين على الموافقة على تسوية بمليارات الدولارات خارج المحكمة. السعوديون لا يمكن أن يكونوا أكثر وضوحا في إعلان أن المملكة العربية السعودية بريئة تماما من اتهامات بالضلوع في هجمات 11 سبتمبر/أيول، وبالتالي فإنها لن توافق أبدا على مثل هذه التسوية.
ما لم تدفع الإدارة المقبلة بقوة ضد «جاستا»، من المرجح أن تكون هذه نقطة جديدة للاحتكاك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهذا لا يقدم فائدة لضحايا 11سبتمبر/أيلول ولكنه فقط سوف يعقد قدرة البلدين على التعاون بشأن القضايا الحاسمة المتعلقة بالأمن والاستقرار في المنطقة.
معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-