صالح البدر- خاص راصد الخليج-
منذ التقى الملك السعودي عبد العزيز آل سعود الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن المدمرة الأميركية كوينسي عام 1945 ومملكة آل سعود تنام على وثير حماية ورعاية أميركيتين، والعائلة الحاكمة لا ترى في أسوأ كوابيسها ما يمكن أن يهدد حكمها المستديم. وإلى أن جهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بما كان يعتمل في نفوس كثير من الاميركيين، بمن فيهم الرئيس "الراحل" باراك اوباما، كانت مملكة آل سعود لا تحدث نفسها سراً وعلانية بأن العم سام قد يتخلى عنها يوماً ما.
وحتى قبل مواقف ترامب الصاعقة، كانت إدارة باراك أوباما نفضت يدها من ارتكابات الملك سلمان ونجله في اليمن لا سيما بعد مجزرة الصالة في صنعاء، وأعلنت خفض مستوى دعمها اللوجستي والاستخباري للتحالف السعودي في اليمن، وقبل ذلك أيضاً كان أوباما في مكاشفاته لمجلة "ذي اتلنتك" صوّب على السعودية من حيث يؤلمها، من خاصرتها العقائدية الرخوة، مشيراً إلى الوهابية، في معرض انتقاده المناهج التي تعزز التطرف. وجاء قانون "جاستا" ليخفف من عنصر المفاجأة في مواقف ترامب، فالقانون ذهب عملياً، ضد المملكة، على نحو يزيد عما تُقدم له آراء ترامب.
وقد جهدت السعودية واستنفرت ماكينتها الدبلوماسية لتبييض صفحتها قبل ضربة "جاستا" وعاصفة ما أسرّه أوباما لأتلنتك، فقلدت "إسرائيل" في إطلاق لوبي سعودي في الولايات المتحدة الاميركية أسمته "SAPRAC "، وبات وزير خارجيتها عادل الجبير كاتباً معتمداً، بلا راتب، في أعمدة كبريات الصحف الأميركية مبرراً سياسة بلاده وموضحاً موقفها في الملفات المشتعلة، وأكثر من ذلك، محاولاً ردم الهوة التي حدثت مع الأميركيين عامة ومسؤولين، بعد أن أصاب داعش في عمق الغرب مقتلاً، وتأكد بما لا لبس فيه أنها، أي داعش، وقبلها القاعدة ليسا سوى نتاج تراكمي من ترسبات الفكر الوهابي.
أخفق الجبير ومعه "سابراك"، وكذلك فشل أوباما في تعويض ما فات عبر فيتو لم يُفلح في منع تكريس " جاستا" وتأكيد جديته، لذلك لم يأت ترامب الفائز بأصوات أغلبية الأميركيين، بما هو مستغرب، فهو أدرى بما يكنّه الأميركيون للسعودية، وهو على جرأته اللافتة عبّر عن هذا المكنون، وكذلك كان أعضاء الكونغرس نواباً وشيوخاً عندما صوتوا على قانون "جاستا" حيث التزموا واقع رأي عام أميركي ولم يقفوا عند عامل المصلحة الذي لأجله استخدم أوباما الفيتو وخالف ما أسرّه لمجلة أتلنتك.
وأبعد من ذلك، قد يكون ترامب القادم من عالم المال والأعمال غير مكترث لنفط السعودية بعد طفرة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والتأسيس العالمي لفكرة الطاقة البديلة، وبحسابات "البيزنس" لم تعد البقرة السعودية مدرّة لما يرى فيه ترامب ومن حوله من مستشارين، طاقة لا يمكن تعويضها، وباتت خدمة الفائدة العسكرية الأميركية للمملكة ضريبة من جيب المُكلَف الأميركي لا تعوضها مصلحة أو معادلة تجارية بما فيها من ربح وخسارة، لذا على المملكة أن تدفع بدل حمايتها، لأنها لولا تلك الحماية ما كانت.
وربما يكون دونالد ترامب عنصرياً فظاً، لكن أوضح ما في فلتات لسانه، أنه يعبّر عن رأي عام أميركي بات لا يستسيغ مداراة السعودية لأجل النفط، ولا يغفر لها إنتاجها الفكر الوهابي الذي من رحمه خرج الإرهاب الذي يضرب شرقاً وغرباً.