جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-
من اللحظة الأولى التي صعد فيها دونالد ترامب عرش الولايات المتحدة الأميركية، ونحن هنا، كأنه أصابنا نيزك بحجم مملكتنا، قضى على أي أمل لنا بالحياة..
ما الذي اقترفناه بحق الولايات المتحدة الأميركية حتى يصيبنا هذا الشعور المخيف والمظلم؟ ولمَ علينا أن نشعر بالخوف أصلاً؟
دونالد ترامب هو رئيس للولايات المتحدة الأميركية، صاحبة النفوذ الأول في العالم، لن يكون إلا كأسلافه خير صديق لدولتنا السعيدة. وحتى لا أكون متشائماً، فان السيد ترامب لن يجد أصدقاء أكثر وفاء لدولته منّا نحن.. أنا لا أقول ذلك من باب السخرية انما هي حقيقة، قبِلها من يدّعون عكس ذلك في بلاد العرب، أم لم يقبلوا بها.. لكن تبقى هي الحقيقة التي ستدخل السعادة والأمل والتفاؤل الى قلوب أمرائنا، ولا يهمني لو انزعج الليبراليون واليساريون ومدعو مقاومة الهيمنة الاميركية، المهم أن "ولاة الأمر" سعداء بمقالي ولو آلت الأمور الى ما لا يشتهون.
اذاً، نحن الأوفى للأميركيين أكثر من كثير من أصدقائهم.. ألم نقف نحن الى جانب امريكا منذ نحو قرن، فسلمناها نفطنا وكل أرزاقنا؟ ألم تجدنا يوماً نجلس على الأريكة في خيمنا، لنشاهدها تدعم اسرائيل.. ولم نحرك ساكناً خوفاً من أن يؤدي ذلك الى غضبها أو الى تخريب مشاريعها؟ كنا نظن أن ذلك فيلم سينمائي من انتاج هوليود... حتى عندما علمنا أن اسرائيل أكلت كل فلسطين، ونهشت لحم عروبتنا.. لم نحرك ساكناً حتى لا نغضب أبناء عمومتنا في واشنطن، فنفسد عليهم استراحتهم.
ان ذاكرة الاميركيين قصيرة.. لا بل انهم يتجاهلون دائماً الأحداث التاريخية العظيمة. لو أننا شاركنا في قطع النفط عنهم في خمسينيات القرن الماضي.. كيف كانت ستتحرك طائراتهم واسطاليهم الى بحارنا؟ لا بل اننا مررنا لهم كل احتياجاتهم.. دون أن يعلم شركاؤنا في المقاطعة.. وما عاملنا به الاميركيين، كان يتمنى الأوروبيين أن نعاملهم بمثله.. لكننا لم نفعل.
لو يذكر الاميركيون جيداً انّا كنّا الشركاء المخلصين لهم في افغانستان، ودفعنا مالنا حتى لا تكون الغلبة لأعدائهم الروس، وفتحنا أيضاً مطاراتنا وخزائننا لجنودهم، حتى ينتقموا من العراق الذي أذلّهم، وخرج عن طوعهم، وكادت أطماعه تطيح بملكنا..
نعم لا ننسى لكم أنكم لبيتم النداء، فحرمتم صدام حسين لذة بلوغ أرضنا ونشوة الوصول الى بلاط ملكنا، وحمانا الله مما جرى بالكويت الشقيقة والا الى أين سيكون المفر..
وحين زها ربيع العرب.. طمأنتمونا الى انه لن يقترب من عرشنا.. فبذلنا كل ما بوسعنا لنحوّل خططكم الى حقيقة من الغرب الى الشرق.. وقدمنا لكم شرق أوسط ما كنتم لتحلمون بمثله.. ولأنكم لم تفلحوا في تحقيق مرادكم، وصار كسراب في صحراء، لا بل صرنا نخشى مما صنعتموه، يأتي رئيسكم الجديد ليطالبنا بثمن الحماية، يريد منّا أن ندفع المال بدل حماية وينسى كل ذلك الوفاء الذي عاهدناكم به.. لا بل ينسى أن المليارات من أموالنا موجودة لديكم يستطيع متى يشاء أن يأخذ منها ما يشاء، ولا يحتاج الأمر منه أكثر من قانون جديد، ألم تفعلوا ذلك بالامس حين أصدرتم #قانون-جاستا، ولم تأبهوا لكل الماضي المشترك بيننا؟
اننا على ثقة يا سيد #ترامب.. كما كنا مع كل اسلافك، من ديمقراطيين وجمهوريين، لن نبدّل في صداقتنا ومودتنا لكم، فقط كل ما نطلبه، لا تظلمونا. ألا ترون كيف يتربص أعداؤكم بنا؟ ألا ترون كيف ينتظرون لحظة غفلة منكم حتى ينزلوا علينا كالصواعق؟ ايرضيكم فعل ذلك بأصدقائكم؟
اعتقد أن كل من يكن العداء للمملكة العربية السعودية، من العلمانيين والليبراليين الذين غضننا الطرف عن أفعالهم الشنيعة كرمى لشعاراتكم في الحرية والمساواة، ورجال الدين الذين يتعلمون في مدارسنا ويأكلون من خيراتنا ثم يوجهون تلامذتهم الى عدائنا، نفعل لهم ما يريدون لأنكم تريدونهم، ونحن ندرك أن عرشنا يهتز على وقع أقدامهم الهاربة من حروب يخوضونها بالنيابة عنا وعنكم.
نعم.. ليس لنا غنى عن حمايتكم من هؤلاء وأولئك.. لكن يا سيد ترامب، خذ بحساباتك أننا اصدقاء ولن نبدل عن صداقاتكم أحداً..